معركة البقاء بالأرقام: كيف يخوض باسيل أخطر امتحان انتخابي في تاريخ التيار؟

معركة البقاء بالأرقام: كيف يخوض باسيل أخطر امتحان انتخابي في تاريخ التيار؟

مع اقتراب الاستحقاق النيابي، يجد التيار الوطني الحر نفسه أمام واحدة من أعقد المعارك الانتخابية منذ تأسيسه؛ معركة لا تُخاض بالخطابات العالية ولا بالعاطفة الشعبوية، بل تُدار بلغة الأرقام الباردة والحسابات الدقيقة. في هذا المشهد، يظهر رئيس التيار النائب جبران باسيل كلاعب شطرنج هادئ، يخطّط خطواته بهدوء، ويحسب خسائره وأرباحه قبل أن يحرّك أي قطعة.

بالنسبة إلى باسيل، الانتخابات ليست مجرد استحقاق دستوري، بل اختبار بقاء سياسي وإعادة تموضع داخل نظام لبناني يتغيّر تحت ضغط التحولات الإقليمية والداخلية. لذلك، يتعامل مع المعركة على أنها مفصلية: إمّا تثبيت حضور التيار كقوة وازنة، أو الدخول في مرحلة تراجع يصعب احتواؤها.

معارضة بلا عزلة

يحرص التيار اليوم على تقديم نفسه كقوة معارضة للسلطة القائمة، لكن من دون السقوط في فخ العزلة السياسية. باسيل يدرك أن القطيعة الشاملة في لبنان مكلفة، وأن السياسة لا تُدار بمنطق الأبيض والأسود. من هنا، يعتمد مبدأ “التعاون على القطعة”: لا تحالفات ثابتة ولا عداوات دائمة، باستثناء المواجهة المفتوحة مع القوات اللبنانية.

عمليًا، لا يتردد باسيل في فتح قنوات تواصل أو تحالفات انتخابية مع أي طرف حين تخدمه الأرقام، حتى لو أثار ذلك حفيظة خصومه أو أربك حلفاء الأمس. إنها براغماتية انتخابية صِرفة، عنوانها الأساسي: المقعد أولًا.

الخزّان تحت الاختبار

داخليًا، يواجه التيار تحديًا بالغ الحساسية في الدوائر التي تُعد تقليديًا خزّانه الانتخابي: المتن، بعبدا، جبيل، وصولًا إلى عكار. المشكلة هنا ليست في حجم التأييد الشعبي بقدر ما هي في اختيار المرشح القادر على حصد أعلى نسبة من الصوت التفضيلي.

لهذا السبب، يتعامل باسيل مع الترشيحات بعقلية صارمة: استطلاعات رأي، قراءة دقيقة لمزاج الشارع، حسابات عائلية ومناطقية، ثم قرار نهائي لا مكان فيه للمجاملات. الرسالة واضحة داخل التيار: الهدف هو الفوز، لا إرضاء الطامحين.

خصوم من داخل البيت

يبقى التحدي الأخطر متمثلًا في خروج عدد من نواب التيار السابقين وتحولهم إلى حالات مستقلة داخل دوائرهم. هؤلاء لا يواجهون التيار من الخارج، بل من داخله، مستفيدين من رصيده الشعبي والتنظيمي ومن شبكة علاقاته المحلية. هذا النوع من الخصومة يُعد الأكثر إيلامًا، لأنه يقتطع من الكتلة نفسها التي يعوّل عليها التيار.

في أكثر من دائرة، يفرض هذا الواقع على قيادة التيار إعادة حساباتها بدقة مضاعفة، لأن المنافسة لم تعد بين مشروعين متناقضين، بل بين أسماء خرجت من العباءة نفسها.

معركة بلا أوهام

في المحصلة، يخوض جبران باسيل والتيار الوطني الحر معركة نيابية بلا أوهام. لا اندفاع عاطفي، ولا رهانات كبرى على تبدلات مفاجئة. إنها معركة أرقام، أصوات تفضيلية، وتحالفات محسوبة بالميليمتر.

قد يربح التيار بعض المقاعد، وقد يخسر أخرى، لكن المؤكد أن هذه الانتخابات ستشكّل نقطة مفصلية في مستقبله السياسي، وستحدد ما إذا كان قادرًا على الصمود لاعبًا أساسيًا في المعادلة اللبنانية، أم أنه سيدخل مرحلة إعادة نظر قاسية في خياراته ودوره.