انفجار بلا دخان: خطة خنق العهد بين يدَي الدولة العميقة
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

في لبنان، لا تُطلق الرصاصات من البنادق فقط، بل من البيانات السياسية، والتسريبات الإعلامية، وتحريك شارع هنا أو شائعة هناك.
البلد الذي تعوّد على الحروب الصاخبة، يعيش اليوم حربًا مختلفة: حرب صامتة، تُصنع بخيوط دقيقة، وتحمل في طيّاتها مشروع زعزعة الدولة من داخلها.
سيناريو الفوضى المُوجّهة
من الشمال إلى الجنوب، تتكرّر مشاهد التوتّر الأمني، لا على شكل اشتباكات مباشرة، بل على هيئة احتقان طائفي وإرباك اجتماعي، تغذّيه خطابات محلية مدروسة وحملات إعلامية مُوجهة.
هذه الأجواء ليست انعكاسًا عفويًا لأزمة معيشية أو سياسية فقط، بل يبدو أنها تُدار ضمن خطة لضرب الثقة بمؤسسات الحكم الحالية، بدءًا من رئاسة الجمهورية بقيادة العماد جوزيف عون، إلى الحكومة برئاسة القاضي نواف سلام.
من يُريد إضعاف العهد؟
الرسائل المتناثرة في الإعلام وبين السطور تُظهر أن هناك من لا يرتاح لوجود رئاسة جمهورية مدنية وطنية متوازنة، ولا لحكومة تسعى لإعادة هيكلة القرار بعيدًا عن الحسابات الإقليمية.
وفق مراقبين سياسيين، فإن الاستهداف غير المباشر للعهد والحكومة يتم عبر تفكيك بيئة الاستقرار، وتغذية الأزمات المتنقلة، ثم تقديم هذه المؤسسات كـ"عاجزة" أمام الخارج والداخل.
حزب الله: المستفيد الاستراتيجي
في هذا المشهد، يبرز بوضوح أن المستفيد الأول من حالة الإرباك والانقسام هو حزب الله.
فكل ضعف يضرب مؤسسة دستورية، يُعزّز شرعيته الميدانية. وكل توتّر في الشارع يُبرّر له الاحتفاظ بسلاحه، بحجة أن الدولة غير جاهزة لضبط الأمن.
حزب الله لا يُهاجم مباشرة، لكنه يتحرّك خلف الستار، حينًا عبر حلفائه، وأحيانًا عبر تقاطعات أمنية وإعلامية تُبقي على الفوضى بمستوى مدروس: لا يسقط النظام... لكنه لا يتقدّم أيضًا.
ما يجري أخطر من فراغ... إنه تعطيل منهجي للدولة
الأخطر من الشلل هو أن يُصبح الشلل أداة حكم. أن تُدار الدولة بمنطق "اللادولة" لتبقى خاضعة لقوة تفرض نفسها فوق القانون والدستور.
الحديث عن “انفجارات” أو “تهديدات أمنيّة” أصبح معتادًا، لا بهدف التحذير بل لزرع شعور دائم بالتهديد يُستخدم كورقة تفاوضية أمام المجتمع الدولي.
بين الداخل والخارج... من يدفع الثمن؟
الطرف الوحيد الذي يخسر في هذه المعركة الصامتة هو المواطن اللبناني، الذي يُمنع عليه الأمل، وتُغتال ثقته بمؤسساته، ويُفرض عليه الاختيار بين الطائفية أو الفوضى.
في المقابل، تُصدَّر صورة الدولة إلى الخارج على أنها هشّة، متخبّطة، لا تملك قرار السلاح ولا إمساك الأمن، ما يُضعف شرعيتها أمام المجتمع الدولي ويُمهّد لمشاريع تدخل ناعمة أو صفقات مشبوهة.
الخطر الحقيقي ليس في سقوط الحكومة أو العهد، بل في سقوط فكرة الدولة ذاتها. وما نعيشه اليوم هو مرحلة إعداد طويلة لسحب الشرعية من الحكم الدستوري، لصالح حكم الأمر الواقع.
فهل يُدرك الرأي العام، اللبناني والعربي، أن الصمت الذي يلفّ البلد ليس سلامًا… بل هدير معركة لا تُطلق فيها رصاصة واحدة، لكنها قد تُسقط جمهورية بأكملها؟