إسرائيل تكثّف قصف المعابر بين سوريا ولبنان... هل تنجح في تقطيع أوصال المحور؟

إسرائيل تكثّف قصف المعابر بين سوريا ولبنان... هل تنجح في تقطيع أوصال المحور؟

على رغم الهجمة الشرسة التي تشنّها إسرائيل ضد "حزب الله" لتدمير بنيته العسكرية وتفكيك هيكليته القيادية، وما تخللها من تطورات استراتيجية تمس الدور السوري بشكل مباشر، وهو ما تجلى عملياً بما ذكره الجيش الإسرائيلي عن حصار عسكري على لبنان، والمقصود من ضمن ذلك - على الأرجح - قطع خطوط الإمداد الواردة إلى "حزب الله" من الأراضي السورية، فإن كل ذلك لم يؤثر على سياسة دمشق ولم تتغير حتى الآن ردود الفعل السورية على الغارات الإسرائيلية التي باتت ضرباتها تركّز بشكل واضح على المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان في خطوة تهدف عملياً إلى تقطيع أوصال محور المقاومة.

 

ونفّذ الطيران الإسرائيلي، الأحد، غارات جوية استهدفت معابر غير شرعية تربط منطقة سرغايا بريف دمشق بالأراضي اللبنانية. وتأتي هذه الغارات استكمالاً لما بدأه سلاح الجو الإسرائيلي منذ أيام من سياسة حصار "حزب الله" وقطع خطوط الإمداد عنه. وليس لدى الحزب خطوط إمداد برية إلا من جهة الأراضي السورية، الأمر الذي سوف يمنع دمشق من القيام بالدور الوحيد الذي كانت تتكفّل به وهو أن تحافظ على شرايين الإمداد مفتوحة لإبقاء مستودعات "حزب الله" ممتلئة بأنواع الأسلحة التي تمكنه من تحمل أعباء المواجهة مع إسرائيل.

 

وفي هذا الإطار، استهدفت إسرائيل منذ صباح الخميس 14 مرة معابر حدودية شرعية وغير شرعية في مناطق ريف القصير وريف دمشق بعدد من الغارات، وفق ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان.

 

وأضاف المرصد أن الطيران شن من جديد 10 غارات، كان منها 4 على المعابر غير الشرعية التي تربط بين ريف القصير والأراضي اللبنانية، كما طال 6 مرات مواقع قرب معابر شرعية منها معبر كفريابوس في ريف دمشق على بعد بضعة كيلو مترات عن الحدود السورية – اللبنانية، وأسفرت الضربات الجديدة عن سقوط 8 جرحى من قوات النظام وأجهزته الأمنية، وسط تحليق مستمر للمسيّرات الإسرائيلية في أجواء المناطق الحدودية لمراقبة أي تحرك لعناصر الحزب.

 

والسبت نفذ الطيران الإسرائيلي غارة استهدفت آلية قرب منطقة كفير يابوس أسفرت عن مقتل شخصين لم تُعرف هويتهما بعد.

 

وفي ساعة متأخرة من ليل الخميس – الجمعة، استهدفت غارة إسرائيلية موقعاً عسكرياً آخر في المنطقة نفسها ما أدى إلى مقتل 5 من عناصر حرس الحدود التابعين للنظام، وإصابة آخر بجروح.

 

كما شهد يوم الجمعة غارة على محيط قرية حوش السيد علي، وهي منطقة يستخدمها “حزب الله” للتنقل بين سوريا ولبنان، لكن لم ترد معلومات حول خسائر بشرية نتيجة لهذا الهجوم.

 

وشن الطيران الإسرائيلي غارة استهدفت معبر مطربا الذي يربط منطقة القصير من الجهة السورية بالأراضي اللبنانية ما أدى الى مقتل عنصر من المخابرات العسكرية وإصابة 3 آخرين.

 

وكانت إسرائيل أعلنت عن مرحلة جديدة من الحرب التي تشنها على "حزب الله" في لبنان، تتمثل بقطع الطريق البري لنقل الأسلحة من إيران إلى جنوب لبنان، عبر توجيه ضربات داخل سوريا التي تشكل صلة الوصل في "الكاريدور البري".

 

وأمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من نيويورك قبيل خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مساء الخميس، قواته بتكثيف الضغط لوقف عمليات تهريب الأسلحة من إيران عبر سوريا إلى لبنان، بحسب صحيفة "يسرائيل هيوم".

 

وبناء على توجيهات نتنياهو، أعلن قائد سلاح الجو الإسرائيلي تومر بار، الاستعداد لشن هجمات جوية لوقف أي محاولات نقل للأسلحة من إيران إلى "حزب الله".

 

تقطيع أوصال محور المقاومة والموقف السوري

وبينما تسعى إسرائيل إلى محاصرة "حزب الله" في لبنان ومنعه من تلقي أي إمدادات جديدة، فإن من شأن هذه السياسة أن تتسبب في أمرين: الأول هو تقطيع أوصال محور المقاومة الذي يشكل "حزب الله" درة تاجه العسكرية بينما تشكل سوريا شريانه الحيوي الذي يمده بأسباب البقاء والقدرة على الصمود. لذلك فإن إغلاق الحدود بين سوريا ولبنان بوجه إمدادات "حزب الله" يعني أيضاً فصل الحزب عن المدد الإيراني، لا سيما بعد إغلاق مطار بيروت الدولي في وجه الطائرات الإيرانية. والثاني هو حرمان سوريا من ممارسة دور "خط الإمداد" وهذا يعني عملياً تجريدها من أي دور في الصراع الدائر على جبهتي غزة ولبنان باعتبارها كانت مستثناة من مبدأ "وحدة الساحات"، نظراً الى ظروفها الخاصة التي تمنعها من القيام بأي عمل عسكري ضد إسرائيل نصرة لهذه الجبهة أو تلك، والاكتفاء باعتبارها خط إمداد لتزويد المقاومة بما تحتاجه من سلاح وذخيرة.

 

وتحيط بالموقف السوري تعقيدات كثيرة قد تجعل من الصعب على العاصمة السورية اجتراح موقف من شأنه إرضاء جميع الأطراف، لا سيما في ظل عدم رغبة دمشق في إنهاء "حزب الله" بهذه الطريقة، وحرصها في المقابل على إعادة تأهيل علاقاتها الخارجية وسط مخاوف من أن يؤدي التصعيد الإسرائيلي إلى تحويل سوريا الى مسرح مواجهة مع إيران وأذرعها، وهو ما أشار إليه نتنياهو عندما أكد أنه ليس هناك مكان في الشرق الأوسط لا تصل إليه اليد الإسرائيلية.

 

وفي ظل اعتقاد سائد بأن دمشق تخلت عن محور المقاومة عملياً مكتفية بتسجيل حضورها الشكلي فيه، فإن رسالة الرئيس السوري بشار الأسد الموجهة إلى عائلة الراحل حسن نصر الله، جاءت لتعطي إشارات مناقضة في هذا السياق. وشدد الرئيس السوري في رسالته على نهج المقاومة وضرورة استمراريته معرباً عن يقينه بأن المقاومة اللبنانية ستُكمل "طريق النضال والحق في وجه الاحتلال، وستبقى الكتف الذي يسند الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل قضيته العادلة".

 

ويرى العديد من المراقبين أن العلاقة بين "حزب الله" ودمشق هي علاقة عضوية متينة تتغذى على المصالح المشتركة بينهما، وتصونها معرفة كل منهما بأن سقوط أحدهما قد يعني سقوط الآخر. لذلك فإن نظرة دمشق إلى المقاومة اللبنانية لا تنطلق فقط من منطلقات مثالية تتعلق بمقاومة الاحتلال وتحرير الأراضي، بل هناك أيضاً منطلقات مصلحية تتعلق بوجود كل منهما والحفاظ على بقائه. ومن هذه النقطة ربما جاءت رسالة الرئيس السوري في ظل إحساس دمشق بأن ما يتعرض له "حزب الله" قد تكون له تداعيات كارثية على محور المقاومة عموماً وعلى سوريا خصوصاً، لأن نتنياهو إذا تخلص من "حزب الله" فإنه سوف يلتفت إلى أذرع إيران في سوريا والعراق واليمن، وربما ترغب دمشق في تأخير هذه الخطوة الإسرائيلية عبر العمل على تقوية "حزب الله" ودعمه والاستمرار في إمداده لتمكينه من إطالة فترة المواجهة مع إسرائيل وبالتالي تأخير تمدد الصراع إلى بلدان جديدة.