تيار المواطنة والدستور: لبنان الدولة والكرامة
بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم
منذ توقيع اتفاق الطائف في عام 1989، ولبنان يتأرجح بين وعود الإصلاح وواقع التعطيل. الاتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية ووضع أسسًا لنظام سياسي جديد بقي ناقص التطبيق، ما أدى إلى استدامة الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. اليوم، ومع تفاقم الانهيار الوطني، أصبح السؤال الملح: هل يمكن للبنان أن ينهض عبر العودة إلى مبادئ الدستور واتفاق الطائف؟
شكّل الطائف إطارًا للإصلاح السياسي، لكن التنفيذ تعثّر في محطات أساسية:
نص الطائف على حل جميع الميليشيات، لكن "حزب الله" احتفظ بسلاحه تحت ذريعة المقاومة، مما أدى إلى خلل في ميزان القوى الوطنية.
الطائف دعا إلى إلغاء الطائفية السياسية تدريجيًا، لكن هذا البند لم يُفعّل، ما جعل النظام عرضة للشلل والانقسامات.
رغم الدعوات إلى تعزيز التنمية المتوازنة، لا تزال المناطق تعاني تفاوتًا صارخًا في الخدمات والموارد.
هذه الإخفاقات لم تكن مجرد أخطاء عابرة، بل أسهمت في تعميق أزمات لبنان، حيث باتت الدولة عاجزة عن استعادة سيادتها أو تحقيق العدالة الاجتماعية.
إن العودة إلى الطائف ليست مجرد مطلب سياسي، بل ضرورة لإنقاذ الوطن من الانهيار الشامل. ولتحقيق ذلك، ينبغي التركيز على:
إعادة السلطة إلى المؤسسات الشرعية ونزع السلاح خارج إطار الدولة.
تجاوز الانقسامات الطائفية نحو دولة مدنية شاملة تضمن تمثيلًا عادلًا لكل المواطنين.
خلق إطار سياسي يوازن بين مختلف المكونات اللبنانية دون هيمنة طرف على آخر.
إن المطالبة بتنفيذ الطائف تصطدم بعدة تحديات، أبرزها
وجود أطراف ترى في نزع السلاح تهديدًا لمصالحها الإقليمية.
استغلال الطائفية كأداة لتعطيل الإصلاح وإبقاء النظام السياسي في حالة شلل.
تركيز المواطنين على مشاكلهم المعيشية قد يجعل القضايا السياسية أقل أولوية في النقاش العام
إن تحقيق هذا المشروع يبدأ من المواطن. اليوم، اللبنانيون أمام فرصة لإعادة تعريف علاقتهم بالدولة، والدفع نحو تطبيق كامل لبنود الطائف بوصفه مدخلًا للإصلاح. فإصلاح النظام ليس ترفًا بل حاجة وطنية، وأي تأخير يعني استمرار الانهيار.
إن تأسيس دولة عادلة ومتوازنة هو الخيار الوحيد لإنقاذ لبنان من أزماته. لبنان الدولة والكرامة ليس حلمًا مستحيلًا، بل رؤية قابلة للتحقيق إذا توفرت الإرادة الوطنية الحقيقية.
الوقت قد حان لإعادة بناء لبنان على أسس المواطنة والدستور. لنبدأ اليوم، لأن الانتظار لم يعد خيارًا.