نواف سلام... رجل اللحظة الأخيرة في جمهورية السلاح والخذلان
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

في زمن الانهيارات الكبرى، والأقنعة المتساقطة، تبرز وجوه نادرة، لا تشبه صخب المرحلة، بل تقف على النقيض تمامًا: وقار، ثبات، وإيمان عميق بأن الدولة لا تُبنى على الخراب، ولا تُستعاد بالتماهي مع أدوات المصادرة. وفي لبنان، البلد المبتلى بفراغات متناسلة في السلطة والشرعية، يبرز اسم الرئيس نواف سلام كرجل دولة لا يزال يؤمن بأن السيادة ليست شعارًا، بل وظيفة تُمارس.
هو لا يرفع صوته، لكنه يقول ما لا يجرؤ كثيرون على التفكير فيه. لا يناور، بل يعلن بوضوح أن لا دولة بوجود سلاح خارج الشرعية، ولا إصلاح بوجود عدالة انتقائية، ولا شراكة حقيقية إذا كان القرار الكبير محتجزًا في قبضة فصيل واحد.
"أنا مع المفتي... ومع الجميع": رئاسة توازن لا تواطؤ
حين قال سلام، بلسان فعله لا شعاره، "أنا مع المفتي دريان"، لم يكن يحتمي بطائفة، بل كان يعلن التزامًا أخلاقيًا وسياسيًا بعدم تهميش أي مكوّن لبناني. فالرجل، الذي يمثّل خطًا مدنيًا راقيًا في السياسة، يعلم أن العدالة لا تكون جزئية، وأن استقرار الدولة لا يُبنى على توازنات مكسورة ولا على صفقات صامتة.
ورغم العواصف التي تواجهه — من داخل طائفته وخارجها — فإن سلام بقي متمسكًا بخيط رفيع بين الواقعية السياسية ومبدأ الدولة الواحدة ذات السلاح الواحد. حتى عندما أبدى مرونة في الحوار مع حزب الله، كان ذلك على قاعدة أن الدولة هي الغاية، وأي وسيلة يجب أن تقود إليها، لا أن تُفرغها من مضمونها.
معركة السلاح... معركة الكرامة الوطنية
اليوم، ومع تصاعد الضغط الأميركي والدولي على لبنان لاتخاذ قرار جريء بسحب سلاح حزب الله وتفكيك ترساناته الفلسطينية واللبنانية، يجد نواف سلام نفسه أمام لحظة تشبه تلك اللحظات التي تصنع التاريخ. لحظة تقول له: إمّا أن تكون رجل الدولة الذي يكتب الصفحة الأولى من جمهورية السيادة، أو يُترك البلد فريسة دائمة لدويلات داخل الدولة.
وللمفارقة، بينما العالم ينتظر كلمة واحدة من رئيس الحكومة لتبدأ عملية تحرير الدولة، نجد النخب السياسية اللبنانية، وعلى رأسها بعض المرجعيات السنية، صامتة، خائفة، أو مستسلمة. فهل يُعقل أن يُترك سلام وحيدًا في مواجهة معركة كل لبنان؟
خذلان من الداخل... احترام من الخارج
كل التقارير الدولية تتحدث عن احترام نواف سلام كقاضٍ دولي سابق، وصاحب مسيرة نظيفة. حتى خصومه يعترفون بنزاهته. ومع ذلك، يُخذَل في الداخل. تُغلق الأبواب بوجهه حين يطرق باب المؤسسات، وتُستخدم "وثائق الاتصال" سيفًا فوق رقاب الناس، وكأن دولة البوليس عادت من جديد تحت غطاء الطوائف.
لكن ما لا يدركه المتواطئون هو أن لحظات التحوّل الكبرى تبدأ من كلمة، من وقفة، من رجل واحد. ويبدو أن نواف سلام مستعد لدفع الثمن، حتى لو كان غاليًا.
التاريخ لا يحتفظ بالمتفرجين
عندما تُكتب صحائف هذا العصر، سيُذكر من وقف وقال "كفى للسلاح"، ومن بقي يعدّ ساعات الحكم ويقيس مكاسبه على حافة الخراب. التاريخ لا يتذكر المتفرجين. يتذكر من غيّروا، من خاطروا، من رفضوا أن يُمرّر باسمهم الانحدار.
قد لا يربح نواف سلام كل المعارك. لكنه حتمًا ربح مكانه في الضمير العام، في وجدان شعب أنهكته التس