مصرف لبنان على مفترق طرق: هل يكون كريم سعيد الخيار الأمثل؟
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

يُعتبر منصب حاكم مصرف لبنان من أهم المناصب في الجمهورية اللبنانية، فقد خدم هذا الموقع الطائفة المارونية منذ إنشاء دولة لبنان الكبير، وكان المصرف المركزي ركيزة أساسية في رسم سياسات لبنان النقدية والمالية. تاريخياً، لعب هذا المنصب دوراً ريادياً في تأمين استقرار لبنان المالي، وكان الحاكم يمتلك صلاحيات واسعة تؤثر في السياسات الاقتصادية والمالية للبلد.
اليوم، في ظل الأزمات المالية والنقدية التي يعيشها لبنان، تتجه الأنظار إلى من سيشغل هذا المنصب، في وقت حساس يفرض على المعنيين اختيار شخصية تتمتع بالكفاءة والحيادية. وهنا، يبرز اسم كريم سعيد كمرشح جدير بالاهتمام. لكن، هل يستحق كريم سعيد أن يكون حاكم مصرف لبنان؟ دعونا نتفحص المعايير الأساسية التي يجب أن يتحلى بها الحاكم الجديد، والتي تنطبق تماماً على كريم سعيد.
الموضوعية والمسافة المتساوية مع جميع الأطراف
أول المعايير الأساسية لاختيار حاكم مصرف لبنان هي أن يكون على مسافة واحدة من جميع الأطراف المعنية، سواء المصارف، الدولة، أو المودعين. يجب أن يتسم الحاكم بالحيادية، بعيداً عن الانحياز لأي طرف كان، فلا يمكن أن يكون الحاكم شخصاً يحمل أفكاراً مسبقة أو يتماشى مع مصالح فئة معينة على حساب الآخرين. كريم سعيد، بسمعته الطيبة وكفاءته، يمثل الشخص الأنسب لتحقيق هذه التوازنات. يعرف كيف يوازن بين المصارف والمودعين، مع التركيز على إيجاد حلول عملية لأزمة المودعين التي باتت تهدد استقرار البلاد المالي.
المعرفة العميقة بالسياسة النقدية والحوكمة
من أهم صلاحيات حاكم مصرف لبنان هي وضع السياسة النقدية للبلاد، وهذا يتطلب إلماماً تاماً بالاقتصاد الكلي والسياسات المالية. في ظل الأزمات التي يعيشها لبنان، يعتبر هذا المعيار من الضروريات القصوى لضمان استقرار الليرة اللبنانية ومعالجة التضخم الحاد. كريم سعيد يتمتع بسجل حافل في هذا المجال، فهو صاحب رؤية استراتيجية قادرة على تعزيز الاستقرار المالي للبلاد. خبرته الطويلة في القطاع المصرفي تجعله الأقدر على فهم عمق الأزمة ووضع السياسات الفعّالة اللازمة للخروج منها.
مكافحة اقتصاد "الكاش" وتبييض الأموال
لا يمكن لأي حاكم لمصرف لبنان أن يحقق النجاح في مهمته دون أن يكون ملتزماً بمكافحة الاقتصاد غير الرسمي وتبييض الأموال. لبنان أصبح ساحة لتبييض الأموال، خصوصاً في ظل الأنشطة المشبوهة المرتبطة بـ"حزب الله" والنظام السوري وبعض المافيات. من هنا، يشكل هذا المعيار تحدياً حقيقياً. كريم سعيد، بصفته أحد الشخصيات المعروفة بنزاهتها واهتمامها بتطوير الاقتصاد اللبناني على أسس قانونية، لديه القدرة على تقديم حلول عملية في هذا المجال. إن التزامه الصارم بالقوانين المحلية والدولية يشكل ضمانة قوية لمحاربة هذه الظواهر السلبية.
الفصل بين الطموحات السياسية والعمل المهني
أما المعيار الأخير، فهو المعيار السياسي، حيث أن حاكم مصرف لبنان ينتمي إلى الطائفة المارونية، ويعد من أهم المناصب التي قد يكون لها تأثير على الطموحات السياسية المستقبلية. ورغم أن حقه في الطموح إلى المناصب العليا، مثل رئاسة الجمهورية، هو حق طبيعي، فإنّه من الضروري أن يفصل بين منصبه كمصرفي وبين أي طموحات سياسية. كريم سعيد أظهر قدرة على التركيز على مهامه المهنية بعيداً عن أي تأثيرات سياسية، ما يضمن استقلالية المصرف المركزي ويعزز مصداقيته.
بعد استعراض المعايير الأربعة الأساسية لاختيار حاكم مصرف لبنان، من الواضح أن كريم سعيد هو الخيار الأنسب لشغل هذا المنصب الحساس. إن كفاءته العالية، معرفته العميقة بالاقتصاد اللبناني والعالمي، التزامه بالنزاهة والشفافية، وقدرته على الفصل بين العمل المهني والطموحات السياسية، تجعله الأقدر على قيادة مصرف لبنان في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان. لا شك أن تعيينه حاكماً لمصرف لبنان سيكون خطوة هامة نحو استعادة الثقة في القطاع المالي اللبناني، وهو ما تحتاجه البلاد بشدة في هذا الوقت الصعب.