انهيار النفوذ القديم في لبنان وسوريا.. من يملأ الفراغ؟

بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم

انهيار النفوذ القديم في لبنان وسوريا.. من يملأ الفراغ؟

لم يكن المشهد على الحدود اللبنانية-السورية في الأيام الماضية مجرد اشتباكات أمنية عابرة، بل مؤشرًا على تغييرات كبرى في موازين القوى داخل لبنان وسوريا والمنطقة ككل. الاشتباكات الأخيرة لم تكن فقط استهدافًا لشبكات التهريب، بل إعلانًا ضمنيًا عن نهاية مرحلة وبداية أخرى، حيث تتراجع الهيمنة التي فرضت نفسها لسنوات، في مقابل صعود قوى جديدة تعيد تشكيل الواقع السياسي والأمني.

وإذا كانت التغيرات في سوريا قد هزّت "الهلال الإيراني"، فإن الترجمة اللبنانية لهذه التحولات ظهرت بوضوح في التفاهم السريع على انتخاب الجنرال جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، ونواف سلام رئيسًا للحكومة، وتشكيل حكومة جديدة غاب عنها نفوذ "حزب الله" بشكل غير مسبوق. هذه المرة، لم نشهد استعراضات في شوارع بيروت، ولا لقاءات سرية في دمشق، ولا "نصائح" مشددة من طهران. القرار لبناني بامتياز، في مشهد لم يكن ممكنًا تخيّله قبل سنوات قليلة.

لسنوات، كان يُنظر إلى الحدود اللبنانية-السورية على أنها شريان استراتيجي يربط طهران ببيروت عبر دمشق. لكن اليوم، يبدو أن هذا المسار لم يعد كما كان، بل تغيّر جذريًا تحت وطأة الضربات السياسية والعسكرية والاقتصادية. فبعد الخسائر الكبيرة التي مُني بها "حزب الله"، وتراجع الدور الإيراني في سوريا، تبدو المرحلة المقبلة مرشحة لإعادة تشكيل كامل لخريطة النفوذ الإقليمي.

هل باتت بيروت ودمشق تتجهان فعليًا نحو إعادة ضبط علاقاتهما الخارجية بعيدًا عن النفوذ الإيراني؟

هل أن التحولات العسكرية على الحدود تعكس انهيار شبكات الدعم السابقة، مما يفسح المجال لقوى جديدة؟

كيف سيتعامل المجتمع الدولي مع هذه التطورات؟ وهل نشهد مرحلة جديدة من التدخلات الخارجية؟

لم تعد الاشتباكات على الحدود اللبنانية-السورية مجرد معارك محلية، بل باتت جزءًا من حرب نفوذ أوسع تتشابك فيها المصالح الإقليمية والدولية. لبنان وسوريا يواجهان اليوم اختبارًا جديدًا: إما الاستفادة من هذه التحولات لصياغة سياسة أكثر استقلالية، أو الانزلاق في معركة تصفية حسابات إقليمية لا طاقة لهما بها.

 

في ظل هذه المعطيات، المعركة لم تنتهِ بعد، بل ربما تكون قد بدأت الآن فقط. فهل نشهد استقرارًا طويل الأمد، أم أن هذه التغيرات مجرد مقدمة لصراع جديد؟ الأيام المقبلة وحدها ستحدد ملامح المشهد المقبل، لكنها بلا شك ستكون حاسمة في إعادة رسم مستقبل لبنان وسوريا والمنطقة ككل.