.«لا للحرب»... صرخة من الضاحية تقلب حسابات الحزب!
بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم

في ظل تصاعد ألسنة اللهب بين طهران وتل أبيب، ووسط قرقعة الأسلحة الأميركية في الخليج، يقف لبنان من جديد على حافة الهاوية، معلّقًا بين قرار الحرب وخيار النجاة. غير أن ما يثير الدهشة – وربما الإعجاب أو الخوف – هو موقف "حزب الله"، الذي قرر هذه المرة، بصمتٍ ثقيلٍ لكنه صارخ، أن يرفع يده عن الزناد، رغم أن «البندقية» جاهزة دائمًا.
انخراط واشنطن العسكري في الحرب إلى جانب إسرائيل لم يوقظ فقط هواجس الحرس الثوري، بل حرّك القلق الخامد في الجنوب اللبناني. فبينما كانت إيران تعدّ ردّها، كانت بيروت تتساءل: هل سيضرب الحرس القواعد الأميركية في الجوار؟ وهل سيدفع لبنان ثمنًا جديدًا لا يحتمله اقتصاده المنهار، ومجتمعه المنكوب؟
السؤال الأعمق: أين "حزب الله"؟ وأين «المقاومة» التي طالما ردّت بصاروخ على تغريدة، وعبوة على تصريح؟
"الحزب" أعلن بوضوح أنه لن يشارك في الحرب، 200% كما قال نبيه بري، مؤكدًا تضامنه السياسي الكامل مع إيران، لا أكثر. موقفٌ أثار التساؤلات، وحرّك زوابع الجدل: هل خسر "الحزب" شجاعته أم كسب حكمته؟ هل تغيّر التوازن الإقليمي أم أن الجنوب لم يعد يتحمّل مغامرات جديدة؟!
أمين عام الحزب، نعيم قاسم، تحدث عن "كل أشكال الدعم التي نراها مناسبة"، دون أن يرفق كلامه بصوت انفجار واحد. حتى الآن، يبدو أن "الحزب" يقاتل بالكلمات فقط.
بري يُمسك بخيوط اللعبة
رئيس مجلس النواب، نبيه بري، لم يعد مجرّد وسيط داخلي. في هذه المرحلة، يظهر كمبعوث فوق العادة للحكمة الشيعية. يضع إصبعه على الجرح: لا حلّ إلا بالحوار الأميركي - الإيراني، ولا خيار إلا بوقف العدوان على إيران، لا عبر الجبهات، بل عبر الطاولات.
موقف بري ليس شخصيًا. بل يعكس إجماعًا داخل الدولة اللبنانية – رئاسةً وحكومةً – على ضرورة تحييد لبنان عن الكارثة القادمة.
الأخطر من كل ما سبق، أن البيئة الحاضنة للحزب بدأت تتغيّر. في الضاحية الجنوبية، تُعرض الشقق للبيع بأسعار لا تساوي نصف قيمتها. الخوف أصبح سيّد الموقف، والاستقرار هو الحلم الغائب.
بات واضحًا أن الانخراط في حرب كبرى، لا يملك الحزب لا القدرة المالية على تحمّله، ولا الغطاء الشعبي له. فحتى جمهور الحزب، بدأ يتصالح مع خيار الصمت السياسي، بدل الموت المجاني.
في الماضي، كانت "المقاومة" ترد بلا إذن ولا حساب. اليوم، الحزب يحسب بدقة: ما جدوى الحرب إن لم تغيّر ميزان القوى؟ وهل من مصلحة إيران نفسها أن يخسر حزب الله كل ما تبقى له في الداخل اللبناني من حاضنة واستقرار ونفوذ؟
ربما للمرة الأولى، يُدرك الحزب أن الصراع الوجودي الحقيقي ليس مع إسرائيل، بل مع الوقت، والجمهور، والانهيار الوطني.
في المرة السابقة، حين تدخّل الحزب دعماً لغزة، دفع لبنان ثمنًا باهظًا من أطفاله وناسه وبناه التحتية. هذه المرة، لا يبدو مستعدًا ليعيد الكرّة. فلبنان اليوم، بلدٌ منهار، لا يقاتل، بل يتسوّل الحياة.
لم يعد أحد ينتظر الصاروخ الأول، بل يُصلي ألّا يُطلق. الصمت الذي يلف الجنوب، هو صوت خوفٍ جماعي، لا تواطؤ. والحزب – الذي طالما اعتاد أن يقرر وحده بدأ يسمع للناس، ربما للمرة الأولى.
الخاتمة: حسابات البقاء لا الثورة
حزب الله لا يزال ممسكًا بالسلاح، لكنه أفرغ رصاصه من فتيل الحماسة. ما يجري الآن هو نقطة تحوّل مفصلية في علاقته مع الداخل اللبناني، ومع نفسه. التضامن السياسي مع طهران لا يتطلب إشعال بيروت. والولاء لا يعني الانتحار.
الجنوب يصرخ بصمت: "لا نريد حرباً جديدة". أما «الحزب» فربما قرأ الرسالة، ولو متأخرًا. ويبقى السؤال الأكبر:
هل يصمد الحزب في قراره؟ أم يُستدرج – كما اعتاد – إلى حرب لا ناقة للبنان فيها ولا جمل؟