هل يتمكن جوزيف عون ونواف سلام من تفكيك منظومة الفساد أم يبتلعهما أخطبوط الدولة العميقة؟
بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم
في بلد كلبنان، حيث أصبح الفساد نظاماً متكاملاً، لا أحد يستطيع ادعاء البراءة من المناخ الإجرامي الذي نشأ على مدار عقود. الغنيمة لم تقتصر على المال العام الذي نُهب بطرق منظمة، بل طالت شراهة السياسيين والفاسدين المال الخاص، مما أدى إلى سحق الطبقة الوسطى وتلاشيها تقريباً.
اللبنانيون اليوم يقفون على حافة الخوف من الأمل نفسه. رؤية بصيص ضوء في نهاية النفق لم تعد تعني سوى قدوم قطار مندفع يسحق ما تبقى من أحلامهم وأمانهم. هذا الخوف أدى إلى الركون إلى تعميمات سلبية مثل "الجميع فاسدون" و"كلهم متشابهون"، وهي تعميمات توفر غطاءً نفسياً للهروب من مواجهة حقيقة الدولة المنهوبة التي لا يطالها لا قانون ولا قضاء.
التعميم لم يكن وحده السلاح النفسي، بل كان استثناء الزعيم المحبوب من دائرة الفساد عادة شائعة بين المحازبين والمناصرين. هذه الحماية النفسية عزلت اللبنانيين عن مواجهة الحقيقة المرّة؛ أن أي محاولات للتغيير، سواء عبر الانتخابات أو الاحتجاجات الشعبية، غالباً ما تتحطم على صخرة الفساد العميق. منذ 2015 وفضيحة النفايات في الشوارع، وحتى "ثورة تشرين" في 2019، كان مصير كل محاولة للنهضة مواجهة نفس الجدار الذي لا يُهدم.
جوزيف عون ونواف سلام: أمل مستحيل أم بداية جديدة؟
اليوم، يقف اسمان بارزان في قلب النقاش السياسي: جوزيف عون ونواف سلام. فكرة وجودهما كبديل حقيقي أمام أخطبوط الفساد والنهب تثير تساؤلات حذرة. هل يمكن لهذا الثنائي أن يخرق جدران الفساد المتشابك، أم أنهما سيُطحنان في طاحونة الدولة العميقة؟
العقبات التي تواجه هذه التجربة ضخمة، تكاد تلامس السماء. لكن، وكما يُقال، الأمل في العمل. فالشعب اللبناني، رغم تعبه، لا يزال يبحث عن قشة النجاة التي تنتشله من بحر الانهيار.
التجارب السابقة علّمت اللبنانيين ألا يثقوا سريعاً بالأمل. ذكر اسم نواف سلام خلال "ثورة تشرين" كان يُعتبر خروجاً عن الواقع، وكأن الأماني باتت جريمة في بلد تحكمه منظومة تستمد قوتها من قتل الأحلام. اليوم، الحديث عن أي إصلاح يبدو كمن يسير على حبل رفيع فوق هاوية عميقة.
بين الخوف من الأمل واليأس من الواقع، يبقى السؤال: هل يمتلك لبنان شجاعة المواجهة؟ هل يمكن لجوزيف عون ونواف سلام أن يشكلا بداية لفجر جديد في بلد أنهكته الأزمات؟ أم أن الدولة العميقة ستُعيد تأكيد سطوتها وتبتلع أي محاولة للإصلاح؟
التاريخ لا يرحم، لكن الأمل لا يموت. فإما أن يتحول هذا الثنائي إلى شرارة التغيير، أو أن ينضم إلى قائمة طويلة من الفرص الضائعة في ذاكرة اللبنانيين.