أدمغتنا تُستنزف… ونحن نُصفّق!
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

في زمنٍ تُقاس فيه القيمة بعدد الإعجابات، وتُقاس المعرفة بطول مقطع على الشاشة، نعيش أخطر تحوّل معرفي يهدد حاضرنا ومستقبلنا: استنزاف العقول تحت سطوة المحتوى الرقمي السطحي. لم يعد الأمر ترفاً فكرياً أو نُدرة نُخبوية، بل خطر حقيقي يزحف بصمت إلى تفاصيل يومنا، يُضعف قدرتنا على التركيز، يُفتّت انتباهنا، ويقضم ببطء ملكات الإبداع والتفكير النقدي. في لبنان، هذا البلد الذي لطالما أنجب المفكرين والمبدعين، نرى اليوم أجيالاً تعيش على فتات رقمي بلا عمق، تتغذى من مقاطع عابرة، وتتباهى بثقافة الاستهلاك اللحظي للمعلومة.
ماذا يعني أن تتحوّل الشاشة إلى مرآة للعقل؟ أن يصبح صوت الخوارزميات أعلى من صوت الضمير، وأن تتشكل الآراء من مقاطع مجتزأة بلا سياق ولا مسؤولية؟ الأدهى أن هذا الانهيار المعرفي يتم وسط احتفال جماعي، حيث الأهل والمعلمون والنخب والدولة، إما متفرجون أو مساهمون بالصمت والإنكار. لقد تلاشت الحدود بين الترفيه والمعرفة، بين الاستهلاك والإدراك، وصرنا في دوامة تُربّت على جهلنا وتكافئ خواءنا، بينما نُصفّق.
نحن لا ندعو لمعاداة التكنولوجيا، بل لنزع القداسة عن هذه السطوة الرقمية، وإعادة الإنسان إلى مركز التجربة. لا بد من مشروع وطني وعربي لاسترداد الوعي، يبدأ من المدارس، ويمر بالإعلام، ويصل إلى سياسات تعليمية صارمة تُحصّن الأجيال ضد الانزلاق إلى السطحية المزمنة. معركة الوعي ليست ترفاً فكرياً بل صراع وجود… لأن من لا يملك زمام عقله، سيُقاد كالأعمى نحو مصيرٍ لا يملك فيه حتى حق الاعتراض.
هذه ليست مبالغة. إنها دعوة للاستفاقة. فكلما صفّقنا، استُنزفنا أكثر.