الصوت السنّي الحاسم: نواف سلام يقود لبنان إلى مرحلة ما بعد حماس

بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

الصوت السنّي الحاسم: نواف سلام يقود لبنان إلى مرحلة ما بعد حماس

بعد ثلاثة عقود من التمدد الهادئ في الظل، تواجه حركة "حماس" في لبنان أخطر لحظاتها، مع تحوّل الدولة اللبنانية من مرحلة التراخي إلى لحظة الحسم. هذه ليست مجرد أزمة عابرة. إنها نهاية حقبة كاملة بدأت عام 1992، حين فتحت "الجماعة الإسلامية" اللبنانية الأبواب لـ"حماس" لتتسلل إلى المخيمات، ثم إلى المشهد اللبناني الأشمل، بغطاء إسلامي وعقائدي، وبطموحات لم تكن يومًا محلية.

 

المجلس الأعلى للدفاع في لبنان، في سابقة لا تخلو من الدلالات، ذكر "حماس" بالاسم، محذرًا إياها من استخدام الأراضي اللبنانية في أعمال تُهدد الأمن القومي، في إشارة مباشرة إلى إطلاق صواريخ من الجنوب اللبناني باتجاه إسرائيل في مارس الماضي. وتحرك الجيش سريعًا: اعتقالات، مداهمات، وأدلة واضحة على نشاط عسكري فعّال للحركة على الأرض.

 

في سنوات ما بعد الوجود الفلسطيني المسلح، كانت "حماس" تعبث ضمن هوامش مرسومة: نشاط ثقافي واجتماعي في المخيمات، بدعم من "الجماعة الإسلامية" التي وفرت لها الأرضية السياسية والمجتمعية. لكن الوضع انقلب بعد الحرب السورية، حيث تراجعت الجماعة، وتصاعد دور "حزب الله"، وتحوّلت "حماس" إلى أحد أذرع المحور الإيراني في الجنوب اللبناني.

 

السنوار في غزة أعاد بناء الجسور مع الحزب، والنتيجة كانت إطلاق الصواريخ من خارج المخيمات.

 

وهنا بالتحديد تحرّكت الدولة. لم يعد لبنان قادرًا على احتمال مغامرات عسكرية تُقرَّر خارج حدوده. لا قرار في بيروت، بل في الدوحة. ولا سلطة شرعية في المخيمات، بل مجموعات تتحرك بأجندة إقليمية.

 

اليوم، الدولة اللبنانية تقول بوضوح: انتهى زمن السلاح الفلسطيني غير المنضبط.

 

تطالب السلطات بتسليم المطلوبين، وتحديدًا من "عين الحلوة". الخيارات أمام "حماس" محدودة وخطيرة. وبين جناح داخل الحركة لا يزال يتشبث بخيار المقاومة المسلحة عبر "حزب الله"، وآخر يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه سياسيًا، تقف "حماس" على حافة تمزق داخلي.

 

وهنا يبرز دور رئيس الحكومة نواف سلام، الذي يُمثّل تيارًا وطنيًا داخل الطائفة السنية كسر الصمت التاريخي تجاه تمدد الجماعات الإسلامية المسلحة. فموقفه الحازم في دعم مؤسسات الدولة ورفض السلاح غير الشرعي، لا سيما من تنظيمات تنتمي اسميًا إلى الفضاء الإسلامي السنّي، يُشكل تحوّلاً جذريًا في المقاربة الرسمية، ورسالة داخلية بأن لا غطاء سياسي بعد اليوم لأي فصيل يعمل خارج مظلة الشرعية. إنه موقف لا يُعيد فقط رسم حدود السيادة اللبنانية، بل يُعيد أيضًا تعريف الدور السنّي في الدولة: من التواطؤ الصامت إلى القيادة المسؤولة.

 

الجماعة الإسلامية؟ غائبة. صامتة. منهكة.

من كانت راعيًا لحماس أصبحت اليوم خارج اللعبة، عاجزة عن حماية شريكها القديم أو التأثير في المعادلة. صعود "حماس" تجاوزها، وسقوط "حماس" لن ينقذها. والنتيجة: تحالف تاريخي يُسقطه الواقع الجديد للدولة.

 

زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت ستكون لحظة فاصلة.

الحديث يدور عن خريطة طريق لبنانية – فلسطينية لإنهاء ظاهرة السلاح في المخيمات، تمهيداً لفرض السيادة الكاملة، وتفكيك ما تبقى من البُنى العسكرية المرتبطة بحماس في لبنان. إنها المرة الأولى منذ اتفاق الطائف التي يُفتح فيها ملف بهذا الحجم، وسط تأييد سياسي علني وغطاء أمني صلب.

 

المشهد لم يعد يحتمل الغموض: لبنان الجديد لا يعترف إلا بسلاح الشرعية.

 

و"حماس" أمام مفترق طرق حاسم: إما أن تنزع عنها عباءة السلاح وتبقى كحركة سياسية، أو تُجرّ نفسها والمخيمات إلى مواجهة خاسرة مع الدولة التي قررت استعادة سيادتها، من دون استثناءات أو أعذار.

 

 لبنان قلب الصفحة. وعلى حماس والجماعة الإسلامية أن تقرأا العنوان جيداً.