رئاسة لبنان... كلٌ يغني على ليلاه والكرسي يُغني وحده!

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

رئاسة لبنان... كلٌ يغني على ليلاه والكرسي يُغني وحده!

في مشهد يعكس تعقيدات السياسة اللبنانية، عاد السباق الرئاسي إلى دائرة الجمود بعد اندفاعة قوية قادها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق، وليد جنبلاط، لدعم ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية. إلا أن زخم هذه الخطوة سرعان ما اصطدم بجدار الواقع السياسي، حيث تتطلب حظوظ عون تعديلًا دستوريًا يصعب تحقيقه، في ظل الحاجة إلى دعم 86 نائبًا، وهو أمر يجعل فرصته أكثر تعقيدًا مقارنةً بباقي المرشحين.

تشير معلومات خاصة لموقع "مراسل نيوز" إلى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يزال على موقفه المتريث، رغم التحرك اللافت لجنبلاط. فبري، الذي لطالما كان ضابط إيقاع اللعبة السياسية في لبنان، يعتمد على قراءة دقيقة للإشارات الأميركية، حيث يدرك أن القرار الدولي غالبًا ما يكون حاسمًا في الاستحقاقات الرئاسية.

وبحسب المصادر، فإن بري يتجنب التعليق حتى أمام أقرب المقربين، مفضلاً الإبقاء على خطوطه مفتوحة مع جميع الأطراف دون استفزاز أي جهة، في محاولة لضمان لعب دور محوري في المرحلة المقبلة.

في الكواليس، يواصل بري مشاوراته لبلورة توافق يسمح بانتخاب رئيس بأغلبية مطلقة في الجلسات التي تلي جلسة التاسع من يناير. ومع ذلك، يبقى تعديل الدستور لانتخاب قائد الجيش أو أي مرشح آخر يحتاج إلى مقاربة أوسع، تأخذ بعين الاعتبار توازنات داخلية وخارجية معقدة.

وتقول مصادر مطلعة:

"بري يدرك أن موقعه يضعه في قلب المعادلة، وهو ينتظر لاستدراج العروض، في الوقت الذي يسعى فيه لتجنب استفزاز أي طرف محلي أو دولي."

على الجانب الآخر، تشهد الساحة السياسية حراكًا خلف الكواليس، حيث يسعى عدد من النواب إلى تشكيل تحالف يجمع نواب الطائفة السنية مع مستقلين، بهدف تعزيز حضورهم في المعادلة السياسية المقبلة، لا سيما في اختيار رئيس الحكومة المقبلة التي ستواجه تحديات كبرى على المستويين السياسي والاقتصادي.

جنبلاط، الذي عاد مؤخرًا من زيارة إلى فرنسا ولقاء الرئيس إيمانويل ماكرون، دفع باتجاه دعم قائد الجيش في محاولة لإحداث تغيير في مسار الانتخابات الرئاسية. وتؤكد مصادر أن تحرك جنبلاط محلي الطابع، رغم محاولات البعض قراءته في سياق خارجي.

في هذا السياق، برزت زيارة جنبلاط إلى دمشق، حيث التقى مسؤولين سوريين، ما أثار تساؤلات حول أبعاد اللقاء. إلا أن مصادر مقربة من الزعيم الدرزي أكدت أن الزيارة اقتصرت على البحث في أوضاع الطائفة الدرزية فيسور سوريا، في ظل الظروف الإقليمية الحرجة.

في المعسكر المسيحي، تتزايد الاتصالات بين القوى الكبرى، حيث تبحث "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" و"تيار المردة" إمكانية التوافق على مرشح مشترك، في خطوة تهدف إلى تعزيز حضورهم في المشهد الرئاسي، وعدم تكرار سيناريو الانقسام الذي أضعفهم في مراحل سابقة.

في المقابل، وجه البطريرك الماروني بشارة الراعي نداءً صارخًا خلال عظته الأخيرة، داعيًا النواب إلى وقف الفراغ الرئاسي الذي استمر لعامين وشهرين، مشددًا على أن لبنان بحاجة ماسة إلى رئيس يتمتع برؤية إصلاحية، قادر على إعادة إعمار المناطق المتضررة، وتعزيز وحدة اللبنانيين في مرحلة دقيقة من تاريخ البلاد.

مع اقتراب جلسة التاسع من يناير، تتجه الأنظار إلى مجلس النواب حيث تتداخل الحسابات المحلية مع العوامل الإقليمية والدولية. وفي ظل غياب توافق واضح، يبقى السباق الرئاسي مفتوحًا على كل الاحتمالات، وسط ترقب لما قد تحمله الأيام المقبلة من مفاجآت.