فخامة الرئيس: لا تُكرّر خطيئة الحريري… السلاح ليس قضية تفاهم!
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

في بلدٍ يشهد احتضارًا اقتصاديًا، وتفككًا مؤسساتيًا، وبقايا سيادة تتنازعها المصالح الإقليمية، يُطل فخامة الرئيس العماد جوزاف عون بتصريح يُثير الأسئلة أكثر مما يُطمئن المخاوف. "ما من مستحيل" قالها الرئيس، وهو يخاطب وفد جمعية تجار بيروت، مشددًا على أهمية الجهد المشترك لعبور الأزمة. لكن هل يكون تجاوز المستحيل بتنازلات تُشبه ما قاد لبنان سابقًا إلى الهاوية؟
السؤال الأشد إلحاحًا هو: هل نحن أمام تكرار لتجربة سعد الحريري مع حزب الله؟ ذاك المسار الذي بدأ بتفاهم، وانتهى بانسحاب، وصمت، ثم خروج مذلّ من الحياة السياسية؟
في سياق طمأنة الحضور، أشار الرئيس إلى أن الوضع الأمني "أكثر تماسكًا"، وأن الجيش اللبناني يبسط سلطته "رغم الإمكانات المتواضعة". لكنه أضاف، في ما بدا وكأنه تبرير، أن حلّ قضية السلاح في المخيمات الفلسطينية جارٍ بالتنسيق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وهنا بيت القصيد.
حين يُطرح ملف السلاح غير الشرعي، يجب أن يُطرح بمنطق الدولة، لا بمنطق التفاهمات. لأن تسوية السلاح ـ سواء أكان فلسطينيًا أو حزبيًا ـ تعني بكل بساطة إخراج الدولة من المعادلة السيادية.
السلاح، يا فخامة الرئيس، ليس وجهة نظر. إنه سؤال وجود. وسكوت الدولة عنه لا يُفسَّر إلا باعتباره قبولًا ضمنيًا بتعدد السلطات، وانقسام السيادة، وتمييع القانون.
التجربة التي مر بها الرئيس السابق سعد الحريري كانت درسًا قاسيًا. في لحظة تسوية كبرى، قرر أن يُهادن، وأن يدخل في تفاهم مع من يملك السلاح خارج الدولة، ظنًا منه أن الدولة تربح بالتنازل. فخسر كل شيء: الثقة، الشعبية، والموقع.
اليوم، أمامك ذات المفترق. فإما أن تُثبت أن مؤسسة الرئاسة ما زالت العمود الفقري للسيادة، أو أن تدخل التاريخ كمن كرّس سابقة "التفاهم على السلاح".
الشعب اللبناني لا يريد إدارة أزمة، بل قرارًا مصيريًا بفرض القانون. لا يريد تفاهمًا على توزيع النفوذ، بل وحدة سلطة تحت سقف الجمهورية. لا يريد دولة تساوم على السيادة، بل دولة تقول: لا سلاح إلا بيد الجيش.
أيها الرئيس، كلامك عن "تفاؤل أمني" قد يُرضي بعض الحضور. لكنه لن يبدد مخاوف وطن يتآكل. المطلوب ليس تطمينات، بل مواقف. المطلوب ألا تتكرّر "خطيئة الحريري" بتجميل الأزمة، ودفن السيادة باسم الحوار.
لبنان في لحظة مصيرية. وأنت، فخامة الرئيس، في موقع لا يُحتمل فيه الحياد أو التجميل. فإما أن تكتب تاريخك كرئيس حمى الدولة، أو أن تترك خلفك فراغًا سياديًا لا يملؤه سوى الخراب.
لا تساوِ الدولة بالسلاح. ولا تفاهم على السيادة.