فرار ديكتاتور الكيماوي والبراميل والكبتاغون..تعني نهاية مشروع..
بقلم مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات حسان القطب
الانقلاب الذي قاده حافظ الاسد عام 1970، وتسلمه للحكم في سوريا.. لم يكن مجرد نزوة سلطة او رغبة في ان يكون رئيساً للدولة السورية.. بل كان مشروعاً مدروساً ومخططاً له بعناية.. والهدف الاساس كان اعادة احياء مشروع الانتداب والاستعمار الفرنسي الذي كان يرغب في تقسيم سوريا الى خمس كيانات..واطلاق الصراع بين مكونات المنطقة العربية والاسلامية.. صراع عنوانه المواجهة بين الاكثرية والاقليات..والهدف الاساس كان تبرير قيام ووجود كيان يهودي في فلسطين المحتلة..؟؟ على حساب العرب والمسلمين والمسيحيين في فلسطين..؟؟
لذلك بدأ الاسد الاب بتعزيز سلطة الاقلية العلوية في سوريا على حساب المكونات الاخرى، وعمل على اطلاق الصراع الاهلي في لبنان، عام 1975، بين اللبنانيين، تحت عنوان الصراع مع الفلسطينيين.. الذي ادى الى تفتيت الانسجام اللبناني عقب اعلان الاستقلال.. وبروز قوى سياسية وميليشيات محلية جديدة تاتمر بتوجيهات الاسد وتلتوم بادارته.. كما استثمر الاسد في القضية الفلسطينية التي تعتبر مدخلاً مناسباً للتعمية والتضليل واخفاء الاهداف الحقيقية للمشروع التدميري للعالم العربي والاسلامي..وعمل على تقسيم وتشتيت قوى منظمة التحرير الفلسطينية..ولذا فقد عانى الفلسطينيون كما اللبنانيون تماماً كما عانى الشعب السوري بكافة فئاته ومكوناته طوال اكثر من نصف قرن من حكم الاب والابن للشعب السوري وكذلك الدول المحيطة..خاصة مع لعب الاسد دور الراعي الاقليمي لدول وقضايا المنطقة.. (لبنان، والقضية الفلسطينية)..بقرار دولي وسوء تقدير اقليمي.. وفهم حقيقي لعمق المشروع والهدف الاساس من وصول الاسد الى السلطة..
الوصاية السورية على لبنان عملت على ترسيخ صراع المكونات اللبنانية، ومع استلام بشار الاسد، تم تفعيل المشروع مع اطلاق حلف الاقليات، وعقد لهذه الغاية مؤتمراً جامعاً في احد فنادق بيروت، لبعض الفعاليات والقوى الراغبة في تشتيت المنطقة وضرب الاستقرار..تحت عنوان .. «المؤتمر المشرقي»...
انطلاق الثورة السورية، عام 2011، اطاح باستقرار مسار التشتيت والتجزئة والتفتيت، الذي ينتهجه بشار الاسد استكمالاً لمشروع والده، ودخلت سوريا مرحلة جديدة، من الصراع الذي كان الهدف منه على الاقل الحفاظ على بقاء الاسد في السلطة، ريثما تنجلي الامور وتستقر عسكرياً ومن ثم سياسياً لاعادة اطلاق عجلة التفتيت والتجزئة والهيمنة على شعوب المنطقة، وتحجيم دور الاكثرية بتهشيم صورتها اولا، وممن ثم اضعاف دورها وحضورها سياسياً وثقافياً واجتماعياً وحتى حضارياً.. ايضاً..
من هنا كان التركيز على استخدام مفردات غير مسبوقة، في هذه الحرب، (قوى تكفيرية، ووهابية، ومتطرفة، والاسلام السياسي، وغيرها).. كما تم انتاج قوى مجهولة الخلفية ولكن بصورة مخيفة، بناءً على ممارساتها وتصرفاتها التي كانت تسيء للمشهد الحضاري والتعايش الانساني بين مكونات المنطقة طوال قرون من الزمن..واطلق عليها (داعش).. التي بدا انها منظمة بنسخ كثيرة واوجه متعددة، تستفيد منها ومن ممارساتها الدول الطامحة للتشويه كما للتدخل وايضاً لوضع اليد على جغرافيا وشعوب وثروات وحضارة وانتماء سكان المنطقة كما على تغيير هويتها واضعاف مكوناتها..
تشويه الثورة السورية، كان الهدف منه، تبرير التدخلات، واقامة ميليشيات مسلحة خارجية ومحلية تحت عنوان محاربة تطرف وهمجية الثورة السورية.. كما كانت توصف.. وكما اشرنا الى الاوصاف المستحدثة التي كانت تستخدم.. والتي كان من نتيجتها تمير مدن وقرى وبلدات سورية وتهجير اكثر من 11 مليون سوري بين النزوح والهجرة والتهجير، وقتل اكثر من مليون من المواطنين السوريين تحت عنوان التكفيريين.. واخفاء واختفاء مئات الآلاف من المواطنين ظهر بعضهم بعد اقتحام سجون آل الاسد، والبعض الآخر، انتقل الى رحمة الله..
وهذا النظام في سوريا والمدعوم اقليمياً ودولياً من بعض القوى والادوات، كان مسموحاً له تحت العناوين التي اشرنا اليها باستخدام البراميل المتفجرة لقتل المواطنين، وارتكاب المجازر التي كان يتم تصويرها ونشرها لارهاب ليس السوريين فقط بل كافة شعوب المنطقة، للقبول بالتغيير والخضوع للحكام الجدد.. وتم نشر ثقافة المخدرات والكبتاغون اي الحبوب المخدرة لاضعاف الروح المعنوية وزرع الفساد في شباب هذه الدول وعلى الاخص سوريا ودول الخليج، وايضا بهدف تمويل مسلسل الاجرام المتمادي..
صمود الشعب السوري وتحمله للكثير من القهر والتسلط والعذاب والاتهام والاساءة، لم يثن هذا الشعب كما شعوب المنطقة عن تأكيد الالتزام بهويتها وانتمائها، وضرورة الانتفاض على جلاديها ورفض هذا المشروع الذي يهدف للتفتيت خدمة للكيان الغاصب (اسرائيل) وتبرير وجودها ديموغرافياً كما سياسياً، وان تصبح دول المنطقة نموذجاً مشابهاً لما جرى في فلسطين من تهجير وتشريد..
لذا تمت ترجمة هذا الصمود بالانتصار الذي تحقق في الثامن من كانون الاول/ديسمبر من عام 2024.. وهروب الاسد الى الحاضنة الطبيعية له..روسيا.. وفرار الميليشيات الدموية الى خارج سوريا، بعد ان فشلت في ضرب وتدمير سوريا.. وتدجين واخضاع الشعب السوري..
لذلك فإن فرار ديكتاتور الكيماوي والكبتاغون، والبراميل المتفجرة، معناه نهاية مشروع، وسوف يشكل بداية تغيير حقيقي في سوريا باستثمار ثرواتها وخبرات شعبها، في اعادة انتاج سورية القادرة على مواجهة التحديات وجمع شمل مكوناتها خاصة مع موقف قوى المعارضة التي استوعبت الانتصار بفتح ذراعيها للجميع..لاعادة اللحمة الوطنية التي عمل الاعداء على تفتيتها والاستثمار في تعميق حضورها..
والعدوان الصهيوني المتمادي على سوريا بعد انتصار الثورة الهدف منه الانتقام من انتصار الشعب السوري على مشروع التفتيت وضرب القدرات التي لم تستخدم في تدمير وقتل الشعب السوري ابان حكم نظام القهر والاستبداد.. ولكن كما انتصر الشعب السوري على الجلادين سوف ينتصر على العدو الاسرائيلي..