لبنان الأسير: حين يُصبح الوطن رهينة السلاح لا الدستور

بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

لبنان الأسير: حين يُصبح الوطن رهينة السلاح لا الدستور

في دولةٍ تُصفّق للمؤسسات لكن تُكبّلها بفوّهة البندقية، يصبح الوطن مشهدًا منفيًّا من تاريخه، معلقًا بين الدولة التي نحلم بها والدولة التي تُمنَع من الولادة. لبنان، الذي خُلِق ليكون منارة، يتحوّل يوماً بعد يوم إلى ظلال من جمهورية تُدار من خارج القصر، وتُخنق من خارج القانون.

 

قالها رئيس الحكومة نواف سلام بوضوح رجل دولة: "لن نسكت عن بقاء أي سلاح خارج سلطة الدولة". ليست مواجهة. ليست استفزازًا. بل دفاع مشروع عن جمهورية مُنهكة، تسأل في صمتها: من يحكم فعلاً؟ ومتى تعود السيادة من المنفى؟

 

في بلدٍ يتقن صُنع التسويات على حساب هيبته، لا يزال سلاح واحد فوق كل مساءلة. لا ينتمي إلى الجيش، ولا إلى الشعب، بل إلى منظومة ترى في السلاح هوية، وفي القوة حقًّا مقدّسًا. تُحاور من تشاء، وتُصعّد متى تشاء، وتمتد حيث تشاء... ثم تعود لتتدثّر بعباءة "المقاومة".

 

لكن الحقيقة، كما يعرفها اللبناني والعربي، أن مقاومة تُحتكر، تتحوّل إلى أداة. وسلاح لا يَخضع للدولة، يُصبح سلطة موازية تُعطّل الدولة. وبين دولة تُجاهد للبقاء، وسلاح يرفض الخضوع، يقف الشعب وجيعًا، تائهًا بين الجوع والخذلان.

 

ما يحدث اليوم ليس صراعاً سياسياً عاديًّا، بل اختبار لوجود وطن بكامله. فإما أن يعود القرار إلى مؤسسات الدولة الشرعية، أو يبقى لبنان رصيفاً مفتوحاً على صراعات الآخرين، ساحة لا سيدة.

 

نحن لا نُدين الأفراد، ولا نُهاجم الرؤساء. بل نقول إن من واجب الجميع – الرؤساء، الوزراء، المواطنون – أن يُجمعوا على أمر واحد: لا سلاح خارج الشرعية، لا قرار خارج الدستور، لا نفوذ يتجاوز الدولة.

 

لبنان ليس رهينة "تفاهمات ظرفية". لبنان وطن، لا يُدار بالسلاح، ولا يُبنى بالخوف.

 

إن لم تُرفع الشرعية من تحت أقدام البنادق وتُعاد إلى راية العلم اللبناني، فلن تبقى جمهورية بل خرائط ممزقة، ولن يبقى شعب بل طوائف في خنادق.

 

هذا النداء ليس للسياسيين فقط. إنه صرخة شعب. صرخة أمة عربية تعرف أن سقوط لبنان هو إنذار سقوط ما تبقى من الكرامة في هذه المنطقة. لبنان ليس شأناً محليًا. إنه مرآة الكل.

 

والمرآة الآن... مكسورة.