نواب الجمعيات في طرابلس: بين الولاء الديني والتمثيل الشعبي الغائب
خاص مراسل نيوز

طرابلس، المدينة التي كانت تُعرف يومًا بـ«عروس الثورة» وصاحبة الصوت الأقوى في الشارع اللبناني، تبدو اليوم مدينة فقدت ثقتها السياسية.
ليست المشكلة في الانتخابات ولا في صناديق الاقتراع، بل في من يصل إلى البرلمان على أصوات الناس ثم يختار أن يتحدث باسم الجمعيات والجهات التي دعمته، لا باسم المدينة التي انتخبته.
في السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة ما يُعرف بـ«نواب الجمعيات» في طرابلس. هؤلاء الذين دخلوا البرلمان مدعومين من مؤسسات دينية أو اجتماعية أو حزبية، فتحوّلوا إلى ممثلين لخطوط تنظيمية لا لنبض الشارع الطرابلسي.
في الشكل، هم نواب عن المدينة؛ أما في المضمون، فخطابهم وولاءهم وسلوكهم السياسي يعكس هوية مؤسسية أكثر من هوية مدينية.
طرابلس، المدينة التي تضم واحدة من أعلى نسب البطالة والفقر في لبنان، لا ترى انعكاس أزماتها في خطاب ممثليها.
أين هم من معارك الكهرباء؟ من وجع الميناء؟ من أحياء القبة والتبانة والأسواق القديمة التي تنزف صمتًا؟
يبدو وكأن بعض النواب يعيشون في عالم آخر، محكومًا بتوازنات جمعياتهم وقراراتها، أكثر مما هو محكوم بصرخات الناس في الشوارع.
الولاء الجمعياتي أو الحزبي في العمل النيابي ليس خطيئة بحد ذاته، لكن المشكلة تبدأ حين يصبح هذا الولاء أولوية على حساب المدينة.
حين يتحوّل النائب إلى ممثل لمؤسسة لا لمجتمع، ولخط تنظيمي لا لصوت الناس، تذوب طرابلس شيئًا فشيئًا من المشهد الوطني، وتصبح مجرد ورقة في معادلات النفوذ بين الطوائف والتيارات.
الناس في طرابلس اليوم لا تطالب بمعجزة، بل بصوت صادق.
صوت لا يختبئ خلف عناوين الجمعيات ولا يتلو بيانات الآخرين، بل يواجه الواقع الموجع للمدينة بجرأة وانتماء.
طرابلس تحتاج نائبًا من أحيائها، لا من مكاتبها. من تعبها اليومي، لا من حسابات السياسيين.
في النهاية، تبقى المسألة أكبر من الأشخاص والأسماء.
إنها أزمة تمثيل هوية مدينة كاملة، تعبت من أن تكون وقودًا للولاءات، بينما تبقى خارج دائرة الفعل.
طرابلس تستحق من يمثلها، لا من يتحدث باسمها فقط.