حين غاب الوزير والمفتي والرؤساء… من يحمي رئاسة الحكومة؟
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبدالحميد عجم

بيروت من جديد في قلب العاصفة. ليست أزمة حكومة ولا أزمة برلمان، بل أزمة دولة فجّرتها إنارة صخرة الروشة، الرمز البحري – السياحي الأشهر في لبنان، بصور قادة «حزب الله». مخالفة صريحة لقرار حكومي، لكنها أعمق بكثير من مجرد خلاف على ترخيص أو احتفال: إنّها مواجهة بين منطق الدولة ومنطق القوة.
رئيس الحكومة نواف سلام تحرك بسرعة، علّق نشاطاته، وأصدر تعليماته إلى وزارات الداخلية والدفاع والعدل لمحاسبة المسؤولين عن خرق القرارات الحكومية. خطوة أرادها دفاعًا عن هيبة الدولة، لكنها سرعان ما أظهرت سلام وكأنه يخوض معركة وحيدًا ضد «حزب الله» من دون غطاء سياسي أو ديني.
الوزير الغائب… وزارة الثقافة خارج الصورة
المفارقة أنّ وزير الثقافة، المرجع المختص قانونيًا بكل ما يتعلق بصخرة الروشة كمعلم طبيعي – تراثي، لم يُصدر أي قرار. الصمت الوزاري جعل الملف ينتقل مباشرة إلى رئاسة الحكومة، ما حوّل القضية من شأن مؤسساتي إلى مواجهة شخصية بين سلام والحزب.
وهنا يُطرح السؤال: لماذا لم يتحرك الوزير غسان سلامة؟ وهل كان امتناعه متعمدًا لتجنّب الاصطدام بالحزب؟ أم أنه خلل تنسيقي داخل الحكومة؟
في كل الحالات، هذا الغياب زاد من ارتباك الدولة وأضعف غطاء القرار.
الأخطر أنّ رؤساء الحكومات السابقين لم يصدر عنهم أي بيان تضامن مع نواف سلام. هذا الموقع السني الأول في الدولة تُرك مكشوفًا من دون مظلة سياسية تحميه.
أما مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، الذي يُفترض أن يكون صوته صمام أمان للطائفة، فاختار الصمت بدوره. غياب الموقف الديني – السياسي في لحظة بهذا الحجم فتح الباب أمام قراءة قاتمة: البيت السني نفسه لم يعد قادرًا على الدفاع عن موقع رئاسة الحكومة.
في المقابل، كان الأداء الأمني بمثابة «بطولة صامتة». الجيش وقوى الأمن الداخلي جنّبا البلاد صدامًا دمويًا عبر ضبط النفس واحتواء المناصرين. لكن هذه «البطولة» تعكس أيضًا مأزقًا: فالأجهزة حمت الاستقرار بالانكفاء، لا بفرض سلطة الدولة. وكأنّ المؤسسة الأمنية تؤدي دور الحارس أكثر من دور صاحب الشرعية.
الحزب بدوره قرأ الحدث كرسالة مزدوجة: وفاء لقياداته الراحلة، وإعلان قدرة على تحويل رمز وطني مشترك إلى منصة حزبية. في لحظة حساسة، أراد أن يقول: «لا قرار حكومي يقيد مشهد قوتنا». وهكذا، صخرة الروشة لم تعد مجرد معلم طبيعي، بل ساحة اختبار لميزان القوى.
ما جرى ليس مجرد «مخالفة ترخيص». إنّه صراع على ملكية المعنى في لبنان: هل تبقى المعالم الوطنية تحت سيادة الدولة، أم تتحول إلى رموز حزبية؟
قرار رئاسة الحكومة بلا وزير مختص، غياب تضامن الرؤساء السابقين، وصمت المفتي دريان… كلها عناصر جعلت نواف سلام في مواجهة عاصفة، وأظهرت هشاشة الدولة أكثر من قوتها.
حادثة الروشة تلخص أزمة لبنان:
حكومة تحاول التصرّف كدولة.
حزب يتصرّف كدولة موازية.
أجهزة أمنية تحمي السلم الأهلي بصمت.
ومرجعيات سياسية ودينية تلوذ بالصمت.
اليوم، يسأل اللبنانيون
لماذا غاب وزير الثقافة عن ممارسة صلاحياته؟
لماذا تُرك رئيس الحكومة وحيدًا؟
وهل يمكن لدولة أن تقوم إذا كان كل رمز وطني قابلًا لأن يُستباح؟
صخرة الروشة لم تُنرَ صورًا فقط؛ لقد أنارت أيضًا حقيقة مرة: الدولة اللبنانية تقف على حافة الانكسار، تبحث عن من يعيد إليها هيبتها.