كيف بدي أتذكرك يا سفرجلة… وكل لقمة بغصّة
بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم

في لبنان، تتجلى المأساة في مفارقات يومية، آخرها قرار رئيس الحكومة نواف سلام برفض نشاط سياسي – حزبي على صخرة الروشة. القرار وُضع باسم الدولة، لكنّه كُسر على الأرض، وكأن شيئًا لم يكن. والمفارقة أن من يفترض أن يكون الصوت الأعلى في الدفاع عن القرار — وزير الثقافة والدبلوماسي المخضرم غسان سلامة — آثر الصمت، واكتفى بتصحيح رواية المبعوث الأميركي توم باراك عن تاريخ الشرق الأوسط.
هنا يصحّ المثل الشعبي: «كيف بدي أتذكرك يا سفرجلة، وكل لقمة بغصّة». فكيف نتذكر تنظير سلامة عن التاريخ، بينما الواقع يبتلع هيبة الدولة أمام أعيننا؟
باراك اختزل المنطقة بأنها «قبائل وعشائر»، وهاجم سايكس–بيكو باعتبارها حدودًا مصطنعة. سلامة ردّ بأن أوروبا نفسها عاشت مجازر دموية قبل أن تستقر دولها. كلام صحيح ومتين، لكنه ظلّ جدلًا أكاديميًا في الهواء، فيما المشهد على الأرض أكثر قسوة: خرق مباشر لقرار رئيس الحكومة بلا محاسبة.
السيادة لا تُصان بالتصحيح النظري للتاريخ، بل بإرادة سياسية تُلزم الجميع بقرارات الدولة.
سلامة أشاد بالجيش اللبناني في مداهمات حي الشراونة، وعلى الحدود الشرقية، وتحت راية اليونيفيل جنوب الليطاني. لكن إذا كان الجيش يفرض هيبة الدولة في الميدان، فلماذا لا يتجرأ السياسيون على تسمية من يخرق هيبة الحكومة في قلب بيروت؟
هنا يتكرس الخلل: جيش يُستنزف في المعارك، ودولة تُترك في المزايدات، ووزراء يهربون إلى التنظير التاريخي بدل المواجهة السياسية.
بين الروشة وسايكس–بيكو، ضاع المفهوم الحقيقي للسيادة. فبينما ينشغل البعض بالردّ على المبعوثين الأميركيين، يُداس القرار السيادي في الداخل. هذه ليست مجرد مفارقة بل أزمة وجودية: هل نحن أمام دولة تفرض قراراتها أم مجرد حكومة تصدر قرارات تُكسر لحظة صدورها؟
السيادة ليست ذكرى سفرجلة يُغصّ بها اللبنانيون كل مرة. السيادة إمّا أن تكون ممارسة على الأرض تحمي قرارات الدولة، أو أن تبقى مجرد شعارات بين صخرة الروشة وحدود سايكس–بيكو.