بليدا… الرصاصة التي كشفت عجز القوة حين يتحوّل الأمن إلى ذريعة، تسقط الأخلاق قبل الضحية
هيئة التحرير خاص مراسل نيوز
لم تكن حادثة مقتل الموظف البلدي إبراهيم سلامة في بلدة بليدا مجرّد خبر عابر في جدول التوتر الحدودي.
لقد فتحت جرحًا جديدًا في الذاكرة اللبنانية، وطرحت سؤالًا يتجاوز الحدث الميداني:
إلى أي مدى يمكن لذريعة “الأمن” أن تُبرّر إعدام مدنيّ أعزل؟
أن تدخل قوة إسرائيلية إلى بلدةٍ مدمّرة بنسبة 80%، وتقتل موظفًا داخل مبنى بلديّ، يعني ببساطة أنّ الخط الفاصل بين “العملية العسكرية” و”الجريمة المقصودة” قد سقط بالكامل. فـ«سلامة» لم يكن مقاتلًا ولا هدفًا عسكريًا؛ كان أحد من تبقّى من أبناء البلدة الذين أصرّوا على العودة وسط الركام.
الذريعة الجاهزة لم تتغيّر: “نشاط أمني” أو “استخدام مبنى مدني لأغراض عسكرية”.
لكن ما لم تعد إسرائيل قادرة على إخفائه هو أنّ سياسة الردع تحوّلت إلى سياسة إخضاع.
منع العودة، ترويع السكان، والإبقاء على الجنوب في حالة خوفٍ دائم — هي أدوات “ردع” من نوعٍ آخر، لا تحمي أمنًا بل تُنتج فراغًا إنسانيًا يُعيد رسم الجغرافيا بالقوة.
جريمة بليدا ليست حادثًا منفصلًا، بل جزء من نهجٍ متكرّر:
الضربات التي تتخطى الحدود، الانتهاكات اليومية للأجواء، والتوغلات التي تتم بلا مساءلة.
كلّ ذلك يجري تحت لافتة “الأمن”، فيما الحقيقة أنّ الاحتلال يتهرّب من مواجهة فشله الأخلاقي والسياسي، ويحاول تعويضه بإظهار “القدرة” الميدانية على حساب المدنيين.
العالم مطالب اليوم بموقف واضح لا يكتفي بتنديدٍ شكلي.
فإذا كان القانون الدولي ما زال يحمل معنى، فإن قتل موظف بلدي داخل مبنى رسمي لا يمكن أن يمرّ دون تحقيقٍ مستقل ومحاسبةٍ شفافة.
السكوت على هذه الجريمة لا يسيء إلى بليدا وحدها، بل إلى فكرة العدالة نفسها.
في النهاية، الرصاصة التي أنهت حياة إبراهيم سلامة لم تقتل شخصًا فقط؛
بل أصابت قلب المفهوم الإسرائيلي للأمن، وكشفت أن القوة بلا ضوابط قانونية ولا وازع أخلاقي ليست قوة — بل عجزٌ مغلّفٌ بالرصاص.