الصفقة التي تهزّ العالم: ماذا يفعل محمد بن سلمان في قلب واشنطن؟

بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم

الصفقة التي تهزّ العالم: ماذا يفعل محمد بن سلمان في قلب واشنطن؟

في واشنطن، المدينة التي تبتلع الأسرار قبل أن تخرجها إلى الضوء، انعقد اللقاء الأكثر غموضاً وتأثيراً في الشرق الأوسط منذ عقود. لم يكن وصول وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى العاصمة الأميركية حدثاً عادياً، ولا كانت جلساته مع الرئيس دونالد ترمب مجرّد بروتوكول سياسي. كل من تابع ما يجري خلف الكواليس أدرك أنّ المنطقة تدخل طوراً جديداً، وأنّ التحالف الذي يُعاد ترميمه بين الرياض وواشنطن لم يعد قائماً على الصداقة، بل على معادلة صادمة: السعودية أصبحت شريكاً مساوياً في ميزان القوة، والولايات المتحدة لم تعد تتحكم بالمشهد كما اعتادت منذ منتصف القرن الماضي.

تسريبات قليلة خرجت من الغرف المغلقة، لكنها كافية لتكشف أن الملفات المطروحة في الحوار ليست اقتصاداً أو أمنًا أو تطبيعاً فقط، بل إعادة توزيع النفوذ العالمي. الأمير يدخل إلى البيت الأبيض هذه المرة بثقة لاعب يمتلك أوراقاً حقيقية: قوة مالية هائلة، مشروع اقتصادي يغيّر شكل المنطقة، قدرة على التأثير في أسواق الطاقة العالمية، ووزن سياسي يسمح له بطرق أبواب واشنطن وبكين وموسكو من دون أن يخسر موقعه. ما تخشاه الولايات المتحدة ليس النووي ولا الاستثمارات ولا حتى ملف إيران… ما تخشاه هو أنّ السعودية باتت قادرة على اتخاذ قراراتها الكبرى من دون الرجوع إلى أحد، وأنّ الشرق الأوسط لم يعد يحتاج الوصاية الأميركية كما كان.

وراء الصمت الدبلوماسي تدور صفقة من الطراز الثقيل: وصول السعودية إلى التكنولوجيا الأميركية الأكثر حساسية، من الذكاء الاصطناعي المتقدم إلى البنية التحتية الرقمية والقدرات الدفاعية الدقيقة، وبناء منظومة نووية سلمية تُعاد صياغة شروطها كل ساعة. هذه ليست وعوداً انتخابية؛ إنها مفاوضات تُرسم على مستوى زمني يمتد 30 إلى 40 عاماً. في المقابل، تمنح الرياض لواشنطن شيئاً لا تستطيع أي دولة أخرى تقديمه: الاستقرار الإقليمي، وضبط أسواق الطاقة، وتوازنات تمنع واشنطن من الانسحاب الكامل من الشرق الأوسط في لحظة تتقدم فيها الصين وروسيا بثقة.

إسرائيل، كعادتها، تتسلل إلى كل لقاء، لكن هذه المرة هي ليست في مركز الطاولة. السعودية لم تعد تُبتزّ سياسياً، ولا تنساق وراء ضغوط الإعلام العالمي. موقفها واضح: لا تطبيع بلا ثمن سياسي كبير، ولا خطوة مجانية مهما علا صوت الحليف الأميركي. ما يجري الآن هو لعبة أعصاب طويلة؛ واشنطن تريد قفزة تاريخية، والرياض تقلب المعادلة: تريد ضمانات، وتكنولوجيا، وترتيبات استراتيجية تعيد كتابة مرحلة بأكملها في المنطقة.

وفي قلب هذا الاشتباك السياسي، تقف إيران كاختبار حقيقي للتحالف. الرياض لا تريد حرباً، لكنها لن تسمح لطهران بإعادة تدوير نفوذها عبر وكلاء الفوضى. وترمب، بعقلية التاجر الصارم، يدرك أن السعودية هي وحدها القادرة على ضبط التوازن الإيراني من دون تفجير المنطقة. لهذا أصبح الإنصات السعودي في واشنطن أعلى من أي وقت مضى.

النتيجة؟ الشرق الأوسط يقف اليوم على أعتاب عقد جديد، لا يشبه ما قبله. السعودية لم تعد رقماً في معادلة إقليمية، بل صارت أحد صنّاع اللعبة. وأميركا لم تعد قادرة على صياغة النسخة الخاصة بها من النظام العالمي من دون المرور بالرياض. ما يحدث الآن ليس زيارة عادية ولا مجاملة سياسية، بل إعادة هيكلة كاملة لمنظومة النفوذ. دولٌ ستصعد ودول ستسقط، تحالفات ستتشكل وأخرى ستنهار، ومشهد عالمي سيولد من قلب اتفاق لا يزال مكتوماً خلف جدران البيت الأبيض.