حين يصبح بقاء المقاومة الشيعية ضرورة أمنية في العقل الإسرائيلي
بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم
في مشهد إقليمي بالغ التعقيد، تبدو إسرائيل وكأنها تمارس لعبة توازن دقيقة بين خصومها، لا بهدف استيعابهم، بل لضبط إيقاع التهديدات المتقابلة في محيط لا يسمح بفراغ قوة.
وعلى الرغم من التصريحات الإسرائيلية المتشددة بشأن محور المقاومة، إلا أن الواقع الاستراتيجي يكشف معادلة مختلفة: تل أبيب لا تسعى إلى القضاء الكامل على هذا المحور، لأنها تدرك أن اختفاءه قد يفتح الباب أمام تهديدات أشدّ خطورة عليها.
هواجس الأمن القومي و"الخصم الذي لا بد منه"
تتعامل المؤسستان الأمنية والعسكرية في إسرائيل مع محور المقاومة بوصفه تحديًا استراتيجيًا معقدًا، لكنه تحدٍّ معروف وحدوده محسوبة. فالخصوم الذين تملك إسرائيل خبرة طويلة في مواجهتهم—عسكريًا واستخباراتيًا—هم أقرب إلى أن يكونوا جزءًا من “بيئة تهديد يمكن إدارتها”.
وفي المقابل، ترى تل أبيب أن تفكك هذا المحور تمامًا سيُعيد تشكيل المنطقة على نحو غير متوقع، وخصوصًا في ظل احتمال صعود تيارات سنية أكثر تشددًا، لا تملك إسرائيل أدوات كافية للتعامل مع نمط عملها أو بنيتها الميدانية.
من هنا، يصبح بقاء محور المقاومة ولو كقوة ضغط لا كقوة مهيمنة عاملًا يُجنّب إسرائيل سيناريوهات الانفجار غير المحسوبة.
المشروع السني المتشدد… تهديد خارج نطاق السيطرة
لا تُخفي تحليلات في إسرائيل قلقًا من أن الفراغ الذي يتركه تراجع المحور الشيعي في المنطقة قد يملؤه مشروع سنّي متشدد يصعب احتواؤه.
ومقارنةً بخصومها التقليديين، ترى تل أبيب أن التيارات المتطرفة ذات الخلفية السنية تعمل بشكل لا مركزي، وتتحرك ضمن شبكات معقدة، ما يجعل التحكم بها أو ردعها أكثر صعوبة.
بهذا المعنى، لا تنظر إسرائيل إلى محور المقاومة بوصفه الخطر الوحيد، بل بوصفه حاجزًا يمنع تمدد خطر آخر قد يكون أكثر تهورًا وتشتتًا.
تقاطعات غير معلنة… وخنادق متجاورة رغم العداء
في لحظات معينة من العقدين الأخيرين، وجد المراقبون الإقليميون أن خطوط التماس بين إسرائيل ومحور المقاومة من جهة، والجماعات السنية المتشددة من جهة أخرى، قد تقاطعت بشكل غير مباشر.
فرغم أن تل أبيب ترى في المحور خصمًا سياسيًا وعسكريًا، إلا أنها تدرك أن سقوطه الكامل قد يضعها في مواجهة تيارات لا يمكن التفاوض معها ولا تهذيبها أمنيًا أو سياسيًا.
وهكذا، تصبح إسرائيل أمام معادلة غريبة:
تعارض المحور بشدة، لكنها تدرك أن القضاء عليه بالكامل قد ينقل خطرًا أكبر إلى عمق جبهتها.
الشرق الأوسط… حيث العدو يمنع عدوًا آخر
إن القراءة الدقيقة للسلوك الإسرائيلي تجاه محور المقاومة تكشف أن الأمر لا يتعلق برغبة في الانتصار الكامل بقدر ما يتعلق بإدارة منظومة تهديدات متشابكة.
ففي منطقة تتغير فيها موازين القوى بسرعة، تعرف إسرائيل أن هدم أحد أعمدة المشهد قد يدفع عمودًا آخر أكثر خطورة إلى الواجهة.
لهذا، يبقى موقفها مركّبًا: مواجهة يومية مع المحور، دون رغبة في اختفائه من الخريطة.
وفي ظل هذا التوازن المضطرب، يبدو أن الشرق الأوسط ما يزال يعيش قاعدة ثابتة:
عدو الأمس قد يكون، من حيث لا يريد، خط الدفاع غير المباشر ضد عدو قد يأتي غدًا.