شرم الشيخ على خط النار: مبادرة مصرية–سعودية توقف العدّ العكسي لحرب لبنان–إسرائيل
بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم
في لحظة إقليمية خانقة تتزاحم فيها طبول الحرب فوق الجنوب اللبناني، برزت القاهرة والرياض بوصفهما اللاعبين الوحيدين القادرين على كبح الانهيار ومنع انزلاق المنطقة نحو مواجهة تُعدّ الأخطر منذ عقدين. فبعد أسابيع من محادثات مكوكية أجراها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في بيروت وتل أبيب وواشنطن وعواصم أوروبية، تكشّفت ملامح مبادرة دبلوماسية غير مسبوقة تستعد شرم الشيخ لاحتضانها، بدعم سعودي مباشر، تحت عنوان واضح: اتفاق أمني–سياسي يتقدّم على الحرب
مبادرة بثلاثة مسارات… وفرصة تكاد تكون الأخيرة
وبحسب مصادر دبلوماسية متقاطعة، تقوم المبادرة على ثلاثة مسارات مترابطة:
إجراءات ميدانية داخل لبنان تبدأ بـ«تنظيف» كامل لمنطقة جنوب الليطاني من السلاح غير الشرعي، في خطوة رمزية – لكنها ضرورية – لإثبات قدرة الدولة اللبنانية على الإمساك بقرارها الأمني.
تعطيل تدريجي للسلاح شمال الليطاني ضمن جدول زمني لا يمسّ التوازن الداخلي مباشرة، ويُنفَّذ عبر إشراف دولي، مع مطالبة حزب الله باتخاذ موقف علني يفتح الباب أمام تسوية واقعية لا تستهدف وجوده
مفاوضات مباشرة لبنانية–إسرائيلية في شرم الشيخ، برعاية مصرية–سعودية–أميركية–فرنسية، تهدف إلى وقف التصعيد ووضع أسس تفاهم أمني يمنع الحرب ويعيد الاستقرار إلى الحدود.
وتؤكد شخصيات عربية مطلعة أن القاهرة والرياض توصّلتا إلى قناعة مشتركة بأن “المنطقة تقف عند شفير انفجار”، وأن تأجيل الحرب لا يتحقّق إلا بتفاهمات ملموسة تلتزم بها كل الأطراف، لا بيانات تهدئة ظرفية.
قلق مصري… ورسالة مبطّنة لطهران وتل أبيب
التحرّك المصري لا يعكس مجرد رغبة في الوساطة. فالقاهرة ترى أن أي حرب جديدة ستفتح جبهات متداخلة من غزة إلى سوريا وربما البحر الأحمر، بما يهدّد أمن الملاحة وممرات الطاقة، ويجعل قناة السويس في قلب الاهتزازات.
كما وجّهت مصر رسالة غير مباشرة إلى إيران عبر مشاورات رفيعة:
«خفضوا مستوى التصعيد في لبنان قبل أن تستغلّه إسرائيل كذريعة لفتح معركة شاملة
في المقابل، تستثمر القاهرة قنواتها المفتوحة مع واشنطن وتل أبيب لانتزاع ضمانات بوقف الانتهاكات الجوية والاغتيالات، تمهيدًا لبناء «ممر تفاوضي» يحول دون اندلاع الحرب.
وفي خلفية المشهد، تلعب السعودية دورًا أكثر حسمًا مما يظهر في العلن. فالمملكة – وفق مصادر عربية – تنظر إلى الاستقرار اللبناني كجزء من أمنها الاستراتيجي، لكنها في الوقت نفسه لن تعود لتمويل دولة عاجزة أو طرف متورّط في صراع إقليمي.
لذلك، تدعم الرياض المبادرة المصرية شريطة أن تترافق مع خطوات لبنانية واضحة تعيد الاعتبار لمؤسسات الدولة، وتمنع الانزلاق نحو دويلة داخل الدولة
رغم الصمت الرسمي، تشير تسريبات دبلوماسية إلى أنّ الحزب يتعامل مع المبادرة بنَفَس «الحذر الإيجابي»؛ فهو يدرك أن الحرب المقبلة قد تكون الأكثر ضراوة، وأن إسرائيل تسعى لتغيير قواعد اللعبة عبر ضرب الحاضنة المدنية في الجنوب. لكنه في المقابل يرفض أي مقاربة تُصاغ بضغط دولي أحادي تستهدف سلاحه دون ضمانات سياسية أوسع.
هذا التوازن الدقيق يجعل القاهرة والرياض أمام مهمة شاقة: إقناع الحزب بأن التسوية لا تعني نزع القوة بل تنظيمها تحت سقف دولة أقوى.
اختيار شرم الشيخ ليس تفصيلاً. فالمدينة التي احتضنت قمم السلام والمناخ والملفات المعقّدة، تُطرح اليوم كأرض محايدة تجمع المتخاصمين بلا ضجيج سياسي، وتسمح لمصر والسعودية بصناعة «مظلّة عربية» تفاوضية موازية للمسار الأميركي–الأوروبي.
ويقول دبلوماسي عربي:
«إذا نجحت قمة شرم الشيخ، فسيولد أول اتفاق أمني عربي–دولي متكامل حول لبنان منذ اتفاق الطائف
المشهد الإقليمي لا يحتمل التفاؤل الساذج. فالتوتر على الحدود يتزايد، والاغتيالات مستمرة، وتل أبيب تنظر إلى الملف اللبناني كجزء من معركتها الواسعة مع إيران.
لكن المصادر المصرية تؤكد أن المبادرة ليست «ترفًا دبلوماسيًا» بل محاولة حقيقية لفرملة حرب باتت على الأبواب.
ما تستعد له شرم الشيخ ليس اجتماعًا عاديًا، بل امتحانًا للعرب قبل المجتمع الدولي:
هل يمكن إعادة تثبيت الدولة اللبنانية ضمن معادلة أمنية جديدة، من دون حرب تكوي المنطقة؟
أم أن الوقت قد تأخّر… وخرج الجميع من دائرة القدرة على منع الانفجار؟
في الأيام المقبلة، ستكشف القاهرة والرياض ما إذا كان الشرق الأوسط يتّجه نحو تسوية غير مسبوقة… أو نحو أشدّ الفصول سوادًا منذ سنوات.