هل آن الأوان لاعتذار نعيم قاسم…؟

بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم

هل آن الأوان لاعتذار نعيم قاسم…؟

من يطلب الحوار مع الرياض عليه أولاً أن يواجه مرايا الأفعال

في خضم التحوّلات المتسارعة في الإقليم، تتصدّر تصريحات  الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، واجهة الأسئلة الكبرى. فالرجل كشف صراحةً عن دور هيثم علي طبطبائي في اليمن طوال تسع سنوات، وما يعنيه ذلك من اعتراف مباشر بعمق الانخراط العسكري للحزب في مسار الصراع الذي استهدف السعودية وأمنها، وليس مجرد دعم «معنوي» كما كان الخطاب المعلن لسنوات طويلة.

هذا الاعتراف ليس تفصيلاً عابراً. إنه انعطافة سياسية، تكشف ما كان يُقال همساً ويُنكر علناً، وتطرح سؤالاً جوهرياً:

إذا كان الحزب يريد الحوار مع السعودية اليوم… فهل يمكن للحوار أن يبدأ بينما أبوابه مغطّاة بركام أخطاء الأمس؟

البصمة المهمة… وبصمة أخرى على جدار الحقيقة

عندما يتحدث نعيم قاسم عن أن طبطبائي «ترك بصمة مهمة» في اليمن، فهذا يعني أن البصمة ليست تقنية فقط، بل سياسية أيضاً.

فالحوثيون استخدموا تلك «البصمة» لشن هجمات استهدفت السعودية والخليج، ولتوسيع دائرة التهديد الاستراتيجي في البحر الأحمر والحدود الجنوبية، وبرعاية مباشرة من «قوة الرضوان» ومن خلفها إيران.

وإذا كانت هذه «البصمة» موضع فخر داخلي لدى الحزب، فهي بالنسبة للرياض بصمة اعتداء لا يمكن تجاوزها بمجرد عبارة دبلوماسية أو إشارات تهدئة.

منطق السياسة: الاعتراف يقتضي الاعتذار

ليس في السياسة ما يفرض على أحد أن يعتذر، لكن في منطق العلاقات الدولية توجد حقائق لا يمكن الالتفاف عليها:

من يعترف بالدور العسكري في ساحة استُخدمت ضد السعودية،

ومن يقرّ بأن كوادره عملت تسع سنوات في تدريب وإعداد جماعة هاجمت منشآت ومدناً سعودية،

ومن يعلن اليوم أنه يريد 

حواراً مع المملكة…

عليه أن يدرك أن الاعتراف دون اعتذار يبقى ناقصاً، وأن حسن النية لا يُبنى بالكلام، بل بترميم الجسور التي هدّمتها البنادق والخلايا والخبرات.

الحوار مع السعودية ليس إعلان نوايا، ولا يمرّ بتقديم أوراق سياسية للاستهلاك الإعلامي.

إنه مسار ثقة، والثقة تُبنى على الوضوح، والوضوح يبدأ بسؤال جوهري:

أليس من واجب نعيم قاسم، حين يطلب الحوار، أن يقدّم اعتذاراً إلى المملكة العربية السعودية؟

الاعتذار هنا ليس فعلاً بروتوكولياً، بل يحمل دلالات أعمق:

1) اعتذار يعيد ضبط اتجاهات الخطاب

يوضح أن الحزب لم يعد يرى السعودية «خصماً وجودياً»، بل دولة مركزية في الإقليم لا يمكن تجاهل وزنها.

2) اعتذار يفتح الباب أمام صفحة جديدة

فالمملكة دولة براغماتية؛ تثمن المواقف الصادقة وتتعامل مع الملفات الأمنية بميزان العدل والواقعية.

3) اعتذار يضع حدوداً لدور السلاح خارج الحدود

وهي رسالة مطلوبة ليس للسعودية فقط، بل للبنان أولاً… الدولة التي أنهكها التداخل العسكري والارتباطات الإقليمية.

لبنان اليوم يدفع ثمن السياسات التي جرّته إلى محاور لا تحتملها جغرافيته ولا اقتصاده ولا تركيبته الاجتماعية.

والدولة اللبنانية، عبر حكومتها وجيشها، تحاول جاهدةً الخروج من عباءة السلاح المنفلت، والتمسك بقرار السلم والحرب وفق قرار 1701.

وملف اليمن هو أحد الأحجار الثقيلة التي تمنع لبنان من الوقوف بثبات أمام المجتمع الدولي.

لذلك، فإن أي اعتذار موجّه للسعودية هو في الحقيقة اعتذار غير معلن للبنان أيضاً، لأن لبنان كان ساحة وواجهة لصراعات لا طاقة له عليها.

الاعتذار ليس ضعفاً… بل شجاعة سياسية

إن خطوة واحدة صريحة من نعيم قاسم يمكن أن تغيّر الكثير:

كلمة بوزن مسؤول، تعترف بالخطأ، وتؤسس لحوار يُفتح على قاعدة الاحترام المتبادل، لا على قاعدة «الاعتراف المتأخر دون مسؤولية».

فمن يطرق باب الرياض، يجب أن يدخله بيدٍ ممدودة لا بملفات عالقة، وبقلبٍ واضح لا بذاكرة مثقلة.

والسؤال يبقى: هل يملك حزب الله الشجاعة ليبدأ من النقطة الصحيحة؟