"اليُتم السُنّي العظيم: كيف ترك سعد الحريري طائفته في قلب العاصفة؟"

بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم

"اليُتم السُنّي العظيم: كيف ترك سعد الحريري طائفته في قلب العاصفة؟"

في تاريخ الطوائف، لحظات تُنسى… ولحظات تُلعن.

واللحظة التي قرّر فيها سعد الحريري الانسحاب من الحياة السياسية عام 2022 ستبقى شاء من شاء واحدة من أكثر اللحظات قسوة على الطائفة السنّيّة.

لم يكن انسحاباً… بل انسلالاً.

لم يكن ابتعاداً… بل تخلّياً.

لم يكن هدوءاً… بل صمتاً يصمّ الآذان.

وفي حين انتظرت الطائفة أن يصرخ زعيمها في وجه العاصفة، رأت أنّه هو أوّل من اختبأ من المطر.

 رفيق بنى دولة… وسعد ترك شارعاً بلا صاحب

ثمة فرق بين رجل يصنع تاريخاً، ورجل يُصدم به.

رفيق الحريري بنى مشروعاً يُفهم ولو لم يُتَّفق عليه.

أما سعد الحريري، فظهر كزعيم يخاف من إرث أبيه بقدر ما يهرب منه.

لم يطلب منه السنّة أن يكون «رفيق الثاني».

بل طلبوا فقط ألّا يكون أوّل من يغادر السفينة حين تغرق.

لكنّه غادر.

وغادر في أسوأ لحظة.

وغادر من دون أن يترك قبطاناً بديلاً.

2022: السنة التي اكتشف فيها السنّة أنّ زعيمهم لا يريد الزعامة

لم يكن انسحاب الحريري «قراراً شجاعاً» كما حاول البعض تسويقه.

كان انسحاباً يتيماً بلا تفسير، بلا خطة، وبلا احترام لقلق مئات الآلاف الذين رأوا فيه آخر رموزهم

السنّة لم يصفّقوا له يومها.

لم يبكوا.

لم يغضبوا حتى.

لقد صُعِقوا… وهذه أخطر أنواع المشاعر السياسية:

أن تقع الواقعة فلا تعرف إن كنتَ ستصرخ… أم ستسقط صامتاً.

 عودة 2025: الزعيم الذي يريد أن يعود بلا معركة

حين قال إنّه قد يعود، وإن عاد فـ«بطريقة مختلفة ، فهم الجميع الرسالة:

عودة بلا عودة.

قول بلا فعل.

ظلّ بلا جسد.

زعامة تريد أن تظلّ في الذاكرة، لكنها تخشى العودة إلى الواقع.

في السياسة، الغموض ليس دهاءً، بل تهرّب.

والتردّد ليس تواضعاً، بل هروب من المعركة.

الشعوب تبحث عن زعماء يصنعون اللحظة،

لا عن زعماء ينتظرون اللحظة المناسبة ليظهروا… أو يختفوا.

المنطقة تنقلب… وسعد لم يلتفت حتى إلى الخلف

سقطت أنظمة.

انكمش نفوذ دول.

تغيّرت الجغرافيا السياسية.

وتحوّلت خرائط التحالفات.

وفي وسط كل هذا، كانت الطائفة السنيّة بحاجة إلى قائد يرفع رأسها.

إلى رجل يقول: «أنا هنا».

لكن سعد الحريري كان هناك… بعيداً.

لم يلتقط الفرصة.

لم يمدّ يده.

لم يقفز في اللحظة التي كان فيها التاريخ يفتح الباب ولو لثانية واحدة.

السنّة اليوم: قومٌ تُركوا وحيدين على حافة الهاوية

لم تعُد الطائفة تعرف صوتاً واحداً تتّجه نحوه.

لا مرجعية، لا قيادة، لا رؤية، لا جملة سياسية متّسقة.

السنّة لم يعودوا في الفراغ…

بل في الهاوية.

وأسوأ ما في الهاوية أنّك لا تشعر بالسقوط… إلا حين تلمس الأرض.

لم تعد الطائفة تسأل:

«متى يعود سعد؟»

لقد أصبح السؤال أكثر قسوة:

هل نريد أن يعود أصلاً؟

المسؤولية: ليست كلّها على الرجل… لكن الرجل يتحمّل الجزء الأكبر

لا أحد ينكر الضغوط.

ولا التوازنات.

ولا المصالح التي تتجاوز حجم أي زعيم.

لكنّ القيادة تُختبر في اللحظة التي ينهار فيها كل شيء…

لا في اللحظة التي يزدهر فيها كل شيء.

وسعد الحريري اختار أن يبتعد في اللحظة التي احتاجت إليه الطائفة أكثر من أي لحظة منذ 2005.

ليس المطلوب جلد الرجل…

لكن المطلوب قول الحقيقة التي يهرب منها الجميع:

غياب سعد لم يكن مجرد تطوّر سياسي…

كان زلزالاً إجتماعياً استراتيجياً قصم ظهر الطائفة.

سعد الحريري اتّخذ قراره.

ابتعد.

غاب.

تردّد.

عاد بخجل.

ثم تلاشى مجدّداً.

لكن الطائفة التي تواجه أقدارها اليوم لا يمكن أن تنتظر ظلّ رجل لا يريد العودة.

السنّة في لبنان أمام مفترق تاريخي:

إما نهوضٌ بصيغة سياسية جديدة متعددة، صلبة، واضحة

أو سقوطٌ نهائي في فراغ لا نهاية له.

وعندها…

لن ينفع السؤال عن سبب غياب سعد الحريري،

لأن الجواب سيكون أقسى ممّا يريده أحد أن يسمعه:

لم يتخلَّ سعد عن الطائفة…

بل تركها لأنّه لم يعد يرى نفسه جزءاً من مستقبلها.

واليوم، على الطائفة أن ترى مستقبلها من دون انتظاره.