اتفاق الطائف ومليشيا حزب الله: التناقض بين بناء الدولة وتقويضها
بقلم عبد الحميد عجم
في عام 1989، شهد لبنان توقيع اتفاق الطائف، اللحظة التي أنهت الحرب الأهلية اللبنانية وأشعلت الأمل في إعادة بناء الدولة اللبنانية على أسس جديدة تضمن الاستقرار السياسي والاجتماعي. كان هذا الاتفاق نقطة تحول مفصلية، حيث رسم خطة للإصلاحات السياسية والإدارية، وعزز من دور الدولة ومؤسساتها. لكن، وبينما كان اللبنانيون يطمحون إلى عهد جديد من الاستقرار، برزت تحديات كبيرة، وأبرزها: مليشيا حزب الله.
نص اتفاق الطائف على حل جميع المليشيات وتسليم أسلحتها للدولة، بهدف إنشاء جيش وطني قوي وموحد تحت سيطرة الحكومة اللبنانية. ولكن، استُثني حزب الله من هذا البند، بذريعة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان. هذا الاستثناء سمح لحزب الله بالاحتفاظ بسلاحه وبنيته التحتية العسكرية، مما خلق وضعاً شاذاً ومتناقضاً مع مبادئ بناء الدولة الموحدة.
منذ توقيع الاتفاق، لعب حزب الله دوراً مزدوجاً في الساحة اللبنانية. فمن جهة، قدم نفسه كقوة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ومن جهة أخرى، استمر في تعزيز نفوذه السياسي والعسكري داخل لبنان، متجاوزاً سلطات الدولة اللبنانية. هذا التناقض أدى إلى إضعاف الدولة ومؤسساتها، حيث بات حزب الله يشكل "دولة داخل الدولة"، بجيش يفوق في قدراته الجيش اللبناني، وبشبكة خدمات اجتماعية وصحية واقتصادية منافسة لتلك التي تقدمها الحكومة.
تأثير حزب الله على الساحة اللبنانية كان ولا يزال مثيراً للجدل. بينما يعتبره البعض قوة دفاعية تحمي لبنان من العدوان الخارجي، يرى آخرون أن احتفاظه بسلاحه وتدخله في شؤون الدولة يقوض سيادة لبنان ويمنع تحقيق أهداف اتفاق الطائف. تدخلات حزب الله في النزاعات الإقليمية، خصوصاً في سوريا واليمن، أثرت سلباً على العلاقات اللبنانية مع دول الخليج وأوروبا، مما أدى إلى عزلة لبنان عن المجتمع الدولي وتفاقم أزماته الاقتصادية والسياسية.
بالإضافة إلى ذلك، نفوذ حزب الله داخل الحكومة اللبنانية جعل من الصعب تنفيذ الإصلاحات التي نص عليها اتفاق الطائف. سيطرة الحزب على مراكز القرار السياسي والأمني أدت إلى تعطيل عمل المؤسسات الحكومية وإعاقة جهود محاربة الفساد وتحقيق الشفافية. هذا الواقع ساهم في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، مما أفرز حالة من الإحباط واليأس بين المواطنين.
إن بناء دولة لبنانية قوية ومستقلة يتطلب الالتزام بروح ونصوص اتفاق الطائف، وهو ما يستدعي حل جميع المليشيات وتسليم سلاحها للدولة، بما في ذلك حزب الله. لتحقيق ذلك، يجب أن يكون هناك توافق داخلي ودعم دولي لتعزيز مؤسسات الدولة وتمكين الجيش اللبناني من بسط سيطرته على كامل الأراضي اللبنانية. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي ممارسة ضغوط جدية على إيران لوقف دعمها العسكري والمالي لحزب الله، مما يفتح المجال لإعادة بناء الدولة اللبنانية على أسس قوية ومستدامة.
في الختام، يبقى الأمل في تحقيق رؤية اتفاق الطائف قائماً، ولكنه يتطلب إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف اللبنانية ودعماً فعّالاً من المجتمع الدولي. فقط من خلال هذه الجهود المشتركة يمكن للبنان أن يخرج من دوامة الأزمات التي تعصف به ويستعيد سيادته واستقراره.