الساعة صفر لسلاح حزب الله: لبنان بين الانفجار أو الولادة
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

في زحمة دخان القصف في الجنوب، وصمت الجبهات الإعلامية في بيروت، ينضج في الكواليس قرارٌ قد يكون الأخطر منذ اتفاق الطائف: هل دخل لبنان فعلاً المرحلة الحاسمة لسحب السلاح غير الشرعي؟ وهل اقتربت لحظة حصر السلاح بيد الدولة؟
ما يدور في الغرف المقفلة بين الرؤساء الثلاثة ليس اجتماعًا عاديًا، بل يبدو أقرب إلى مفاوضات وجودية حول هوية لبنان المقبلة. رئيس الحكومة نواف سلام لا يتحرّك كموظف روتيني، بل كعرّاب تحول مفصلي. زيارته الأخيرة للرئيس نبيه بري لم تكن بروتوكولية، بل خطوة على رقعة شطرنج تزداد سخونة. ففيما يلتزم الرؤساء الثلاثة الصمت المُحكم، تتكثف المؤشرات على أن الدولة اللبنانية تتجه لأول مرة، بجدية لا لبس فيها، نحو اتخاذ موقف رسمي من ملف طالما اعتُبر من المحرمات: سلاح حزب الله.
إنها ليست مبادرة داخلية فقط. فالموفد الأميركي توماس براك، مدفوعًا بقلق دولي وإقليمي، وضع أمام لبنان مهلة زمنية قاسية: أسبوع للبدء، وستة أشهر للحسم. هذه المهلة ليست مجرد توصية، بل إنذار مموّه يضع الدولة أمام اختبار سيادتها، ومكانتها كعضو في المنظومة الدولية. الفشل هنا لا يعني فقط تجميد الدعم، بل إعادة لبنان إلى المربع الصفري، وربما خسارة الغطاء الدولي لقوات اليونيفيل، وتخلٍ تدريجي عن الدولة.
لكن الأكثر إثارة هو موقف "حزب الله" نفسه. فالمعلومات تؤكد أن وزراء الحزب لن ينسحبوا من الجلسة الحكومية المقبلة، رغم أن الملف المطروح يمس جوهر وجودهم. هذه المرونة - إن صحّ تسميتها - تطرح تساؤلات: هل الحزب بصدد تقديم تنازلات شكلية؟ أم أن السقف الحكومي سيستخدم كغطاء لاحتواء العاصفة بدلاً من مواجهتها؟
الأوراق المتداولة على طاولة الرؤساء لا تقتصر على ملف السلاح. إنها تشمل ثلاث قنابل موقوتة: سلاح حزب الله والسلاح غير الشرعي، الإصلاحات الاقتصادية، والعلاقات اللبنانية - السورية. هذه الملفات الثلاثة، إذا عُولجت بنجاح، قد تفتح الباب أمام ولادة دولة فعلية. أما إذا سقط أحدها، فقد نشهد انفجارًا داخليًا لا تقل شدته عن حروب العقود الماضية.
لكن الدولة لا تزال تسير على حبل مشدود. في الجنوب، القصف الإسرائيلي لا يتوقف، وآخرها استهداف سيارة مدنية في كونين. وفي الداخل، ارتقى المعاون الياس طوق شهيدًا خلال مداهمة أمنية في طرابلس، ما يذكّر الجميع أن خطر التفكك لا يأتي فقط من الحدود، بل من قلب الفوضى الداخلية.
وفي هذا السياق المصيري، يعلو صوت الشعب الصادق: "دولة الرئيس، نحن خلفك، لو كلفنا ذلك دماءنا، لأن السلاح لم يأتِ سوى بالخراب والدمار والفتنة. آن الأوان أن تعود الدولة هيبةً وسلطانًا، وأن يُرفع الظلم عن لبنان باسم المقاومة الزائفة."