التحالف النيابي السني: فرصة لتوحيد الصف أم تكريس للانقسام الطائفي؟
بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم
في خضم التحركات السياسية اللبنانية، يبرز الحديث عن تشكيل تحالف نيابي سني كمسعى لتعزيز الحضور السياسي للطائفة السنية داخل البرلمان. لكن هذه الخطوة، رغم مبرراتها السياسية، تُثير تساؤلات عميقة حول مدى انسجامها مع روح الدستور اللبناني واتفاق الطائف، وتهدد بإعادة إنتاج الاصطفافات الطائفية التي أرهقت النظام السياسي وأضعفت وحدة الدولة.
يتفهم البعض دوافع إنشاء هذا التحالف كوسيلة لتوحيد الصوت السني في ظل التجاذبات السياسية الداخلية، إلا أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى نتائج عكسية. فبدلاً من تعزيز الشراكة الوطنية، قد يُكرّس هذا التوجه منطق الاصطفاف الطائفي داخل البرلمان، ويُضعف فرصة بناء تحالفات عابرة للطوائف قائمة على المصلحة الوطنية.
الدستور واتفاق الطائف: هل يتعارض التحالف مع روحهما؟
الدستور اللبناني:
ينص على المساواة بين اللبنانيين والعيش المشترك، ويدعو إلى إلغاء الطائفية السياسية تدريجياً. أي توجه يعزز الطائفية داخل المؤسسات التشريعية يتناقض مع هذا الهدف الإصلاحي.
اتفاق الطائف:
تم توقيع الطائف لإنهاء الحرب الأهلية، وكان من بين أبرز أهدافه تعزيز الوحدة الوطنية وإعادة بناء الدولة على أسس غير طائفية. إنشاء تكتلات نيابية طائفية جديدة يُعد خطوة تناقض مبادئ الطائف في تحقيق المصالحة الوطنية.
انعكاسات التحالف الطائفي على المشهد السياسي
بدلاً من تخفيف الاصطفافات الطائفية، يؤدي التحالف السني إلى زيادة الشرخ داخل البرلمان وتعطيل أي جهود للتقارب بين مختلف الأطياف السياسية.
التحالف يعيد تكريس الانتماءات الطائفية على حساب بناء دولة المواطنة، مما يبعد لبنان عن مسار الإصلاح السياسي والاجتماعي.
الانعزال الطائفي يمنع تشكيل توافقات وطنية قادرة على معالجة الأزمات الكبرى، مثل الأزمة الاقتصادية والسياسية، ويزيد من هشاشة النظام السياسي.
ماذا يحتاج لبنان؟
بدلاً من بناء تحالفات طائفية، يتطلب الوضع الحالي تشكيل تكتلات وطنية شاملة تضم نواباً من مختلف الطوائف. هذا النوع من التحالفات يجب أن يركز على:
إصلاح المؤسسات: العمل على تطوير النظام السياسي ليصبح أكثر تمثيلاً وعدالة.
معالجة الأزمات الاقتصادية: التركيز على إنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية الحادة بدلاً من استنزاف الطاقات في انقسامات طائفية.
تعزيز المواطنة: خلق بيئة سياسية تضع حقوق المواطن في صلب الاهتمام، بعيداً عن الاصطفافات المذهبية.
الخيار الوطني أولاً
التحالف النيابي السني خطوة قد تبدو مفهومة في سياق التحديات السياسية الراهنة، لكنها ليست الحل الأمثل لمشكلات لبنان. الخيار الأفضل يكمن في بناء تحالفات وطنية عابرة للطوائف، تُعلي مصلحة لبنان فوق كل اعتبار.
لبنان بحاجة إلى سياسة جديدة قائمة على التوافق والشراكة الوطنية الحقيقية، لا إلى إعادة إنتاج انقسامات تُضعف الدولة وتُبعدها أكثر عن مرحلة التعافي.