طرابلس لن تحترق بعد اليوم لتُضيء جمهورية السلاح
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

في كل مرّة يُفتح فيها ملف سلاح حزب الله، تُستدعى طرابلس إلى قفص الاتهام، كأنها هي الخطر الداهم، والمشكلة المزمنة، و"الخاصرة الرخوة" التي تُستَغل لإخافة اللبنانيين وابتزازهم.
لكن الحقيقة باتت مكشوفة:
طرابلس ليست عارًا على الجمهورية. العار الحقيقي هو جمهورية السلاح المنفلت، التي لا تخضع لدستور، ولا لجيش، ولا لقضاء.
من الذي فجّر ومن الذي سُجن؟
هل نسيتم؟
من الذي فجّر مسجدَي السلام والتقوى؟
من الذي دفع المدينة إلى معارك جبل محسن وباب التبانة؟
من الذي جرّ مئات الشبان إلى السجون دون تهم حقيقية، بمجرّد "وثائق اتصال" بلا قاضٍ ولا محامٍ؟
طرابلس كانت وحدها دائمًا. تدفع الثمن وحدها. تُدان وحدها.
بينما في مناطق السلاح، لا يُحاسَب أحد. لا تهريب يُكشف، ولا مداهمات تُنفَّذ، ولا ملفات تُفتح.
كفى استخدام طرابلس كستار لسلاحكم
كل من يتحدث عن نزع سلاح حزب الله، يُجابه بالابتزاز السياسي والإعلامي: "ماذا عن طرابلس؟ ماذا عن داعش؟ ماذا عن الإرهاب؟"
كأن المدينة هي الوحيدة التي تُحاسَب في هذا البلد!
لكن الحقيقة هي أن طرابلس ليست الخطر — بل السلاح غير الشرعي، والتحالفات السوداء، والحدود المخترقة، والمرافئ المظلمة.
طرابلس ليست مشروع حرب أهلية.
طرابلس هي المدينة التي خُذلت، ثم شُوّهت، ثم صبرت.
من يُريد دولة... فليبدأ من العدالة
العدالة الحقيقية ليست في مداهمة بيت فقير شمالي.
العدالة هي أن يُسحب السلاح من كل الأيدي التي تقتل الدولة وتختطف قرارها.
العدالة أن يُعاد فتح ملف تفجيري المساجد، لا أن يُنسى كأن شيئًا لم يكن.
العدالة أن يُحاسَب من فجّر بيروت، لا أن يُحمى.
العدالة أن تُحترم كرامة طرابلس… لا أن تُسلَب وتُستخدم كذريعة في كل أزمة.
طرابلس لا تُمثّلها ميليشيا… تُمثّلها كرامتها
طرابلس لا تبحث عن راعٍ.
ولا تريد زعيمًا طائفيًا يساوم على دمها.
ولا تقبل أن تُختصر بـ"قنبلة موقوتة" كلما أراد الإعلام طمس الحقيقة.
طرابلس تمثّل نفسها.
تمثّل الشهداء الذين سقطوا في الساحات لا في المكاتب.
تمثّل الشباب الذين نزلوا إلى الشارع لا طلبًا للفوضى، بل طلبًا لوطن.
هذه مدينة لا تُهان… ومَن أرادها ضحية، سيسقط في جمرها
طرابلس ليست العاصمة الثانية كما يُقال باستخفاف.
هي العاصمة الأولى للوجع، والأولى في الصبر، والأولى في التهميش.
لكن هذه المدينة التي حاولتم إذلالها، لن تسكت بعد اليوم.
لن تقبل أن تحترق من جديد كي ينجو غيرها.
ولن تسمح بتحويلها إلى غطاء لسلاح لم يجرؤ أحد على نزع شرعيته.
إذا كنتم تبحثون عن خطر على لبنان، فانظروا إلى السلاح الذي لا يخضع لأحد.
وإذا كنتم تريدون دولة، فابدأوا باحترام طرابلس… قبل أن تطلبوا ولاءها.
طرابلس لم تُهزم.
طرابلس تُعدّ نفسها للمرحلة الأصعب: استعادة الحق… واسترداد الصوت.