تجار الانقسام: من يدفع ثمن الفتنة بين الرئيس ورئيس الحكومة؟
بقلم رئيس التحرير ليندا المصري

في لبنان، ليس الخطر في اختلاف السياسيين، بل في أولئك الذين يعتاشون على تضخيم الاختلاف وتحويله إلى فتنة. هؤلاء هم المجهولون المعروفون، لا يحملون صفةً رسمية ولا مسؤولية، لكنهم يتسلّلون إلى العقل اللبناني عبر شاشات مأجورة ومقالات ممسوخة، يُمسكون بأقلامهم كأنها خناجر، لا لنقد الأداء، بل لضرب التفاهم، وتمزيق ما تبقّى من خيوط الدولة.
في الأيام الأخيرة، برزت حملة مركّزة لإشعال النزاع بين فخامة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة نواف سلام. حملات منظمة، مموّلة، تعرف تمامًا ما تفعل، وتعرف أين تضرب. لكن الحقيقة التي تُقلق أصحاب هذه الحملات ليست في خلاف بين الرجلين، بل في التقارب الصامت بينهما، وفي احتمالية ولادة نواة حقيقية للدولة.
ما لا يريدونه هو أن يتفاهم القاضي والدبلوماسي مع القائد ورمز الشرعية. لأن هذا التفاهم، إن حصل، يعني أن اللعبة انتهت، وأن عصر "الأمر لي" في الطوائف والساحات بدأ يتفكك.
نواف سلام لم يأتِ من محور ولا يدين بالولاء إلا للبنان. وهو يعرف تماماً من يحاول أن يضعه في خانة ضد فخامة الرئيس، ومن يروّج أنه "أداة" للخارج. لكنه يرد بالصمت، لأن منطق الدولة لا يحتاج صراخاً.
وفخامة الرئيس، بتجربته التي لا ينافسه عليها أحد، لا يقع في فخ هذه الحملات الرخيصة. يعرف من أين تُدار، ومن يحرّكها، ويعرف تمامًا أن نزع الشرعية عن رئاسة الحكومة لن يعيد لرئاسة الجمهورية مكانتها، بل يُسقط الجميع.
منذ متى كان اختلاف الرأي بين مسؤولين كارثة؟ ومنذ متى أصبح احترام الدستور خيانة؟ من يُشيطن رئيس الحكومة لأنه لا يبايع محورًا، هو نفسه من يريد رئيسًا بلا إرادة. ومن يُهاجم فخامة الرئيس لأنه لم ينفجر في وجه سلام، هو نفسه من يخاف من كلمة: "اتفاق".
ليس سرًّا أن بعض الدول، وبعض الأحزاب، وبعض "المثقفين الجدد" يخافون من مشهد لبناني فيه شراكة لا خنوع، واحترام لا تبعية، وتفاهم لا تبادل مصالح.
لكن الرسالة وصلت. والحملة انكشفت.
من يراهن على كسر العلاقة بين الرئاستين خاسر. ومن يزرع الفتنة سيحصد عزلته.
لبنان اليوم لا يحتاج إلى وسطاء خارجيين، بل إلى وقف سوق النخاسة السياسية، حيث تُباع المواقف وتُشترى التصريحات.
وإذا كان هناك من لا يستطيع العيش إلا في ظل الانقسام، فلنقل له: لقد انتهت اللعبة.