لبنان على مفترق طرق: بين الانهيار واستعادة الدولة
بقلم عبد الحميد عجم
لبنان: بين كابوس الانهيار وأمل استعادة الدولة
لبنان يعيش حالة من التدهور المتسارع، والمشهد السياسي يزداد تعقيدًا مع مرور الوقت. أصوات تتعالى مطالبة باستعادة الدولة من سيطرة "حزب الله"، الذي بات يلعب دور القوة الحاكمة الفعلية. انهيار مؤسسات الدولة اللبنانية لم يحدث فجأة، لكنه اليوم يصل إلى مستوى يهدد وجود البلد ككيان مستقل وموحد. كثيرون يرون أن الحل يكمن في إعادة بناء الدولة عبر خطوات ملموسة تبدأ بتطبيق القرارات الدولية، وتحديدًا بإعادة انتشار الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني، لتحل الدولة محل "حزب الله" وتستعيد السيطرة الكاملة على السلاح والقرار.
لكن السؤال الأهم: هل يكفي ذلك؟ هل الأزمة محصورة فقط في النفوذ العسكري والسياسي لـ"حزب الله"، أم أن المشكلة أعمق وتمتد إلى بنية النظام السياسي اللبناني بحد ذاته؟
يرى البعض أن هذه المرحلة، التي تشهد تراجعًا تدريجيًا في نفوذ "حزب الله"، قد تكون فرصة لإعادة التفكير في أسس النظام السياسي برمته. قد يبدو هذا التوجه جريئًا، لكنه يعبر عن شعور بالإحباط من قدرة النظام الحالي على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، لا سيما مع استمرار التهديدات الإسرائيلية التي تجاوزت "حزب الله" لتشمل مصير لبنان ككل.
ومع كل هذه الاحتمالات، هل بإمكان لبنان أن ينهض بنظام سياسي مستقر بعد انحسار سيطرة "حزب الله"؟ هل من الممكن أن تنقذ القيادة الجديدة البلد الذي يعاني من أعباء الطائفية والتدخلات الخارجية؟ حتى في حال تراجع "حزب الله"، هل سيتمكن لبنان من العودة إلى دولة مؤسسات حقيقية؟
لبنان منذ استقلاله لم يكن نظامًا سياسيًا متجانسًا، بل قام على قاعدة تقاسم السلطة بين الطوائف. هذه الطائفية ليست مجرد آلية سياسية، بل هي ثقافة متجذرة في التركيبة الاجتماعية، مما يطرح التساؤل: هل يمكن للبنان أن يتحول إلى دولة طبيعية مستقرة بعيدًا عن الانقسامات الطائفية، أم أن طبيعته الموروثة تجعل منه كيانًا هشًا عالقًا في دوامة أزمات دائمة؟
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل دور الطوائف في تشكيل الحياة السياسية. فهل يمكن للبنان أن يشهد حياة سياسية سليمة دون أن يكون هناك تقاسم للمصالح والنفوذ بين زعماء الطوائف؟ لبنان ليس مجرد بلد صغير جغرافيًا، لكنه يحتوي على تنوع مذهبي واسع؛ مسيحيون من طوائف متعددة، سنة، شيعة، ودروز، وكل فريق لديه رؤية مختلفة لمستقبل لبنان. بين من يرى لبنان جزءًا لا يتجزأ من العالم العربي، ومن يسعى إلى ربطه بمحور إقليمي آخر، يبقى السؤال مطروحًا: هل يمكن إيجاد صيغة سياسية تضمن حقوق الجميع دون أن يهيمن طرف على الآخر؟
في ظل هذا التنوع، هل يمكن أن يشهد لبنان نظامًا سياسيًا متوازنًا يحمي حقوق الجميع؟ أم أن هذا البلد، الذي يعيش على مفارقات وتناقضات، يحتاج إلى صدمة كبرى – ربما حرب أو لحظة تاريخية حاسمة – لتعيد تشكيل بنيته السياسية من جديد؟
في نهاية المطاف، مستقبل لبنان ليس مجرد قضية سياسية، بل هو قضية وجودية لكل لبناني يؤمن بأن بلده، رغم صغر حجمه، يحمل أهمية أكبر بكثير. والسؤال الذي يشغل الجميع: هل يمكن للبنان أن يخرج من هذه الأزمة كدولة حقيقية مستقرة، أم أنه سيظل عالقًا في دوامة الأزمات المستمرة؟