لبنان على أعتاب التحوّل التاريخي: من الطائف إلى الدولة الواحدة

بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

لبنان على أعتاب التحوّل التاريخي: من الطائف إلى الدولة الواحدة

ثلاثة عقود من الانتظار، بقي خلالها اتفاق الطائف رهينة التأويلات، تارة مُفرَّغًا من محتواه، وطورًا مُعلَّقًا في رفوف السياسة. واليوم، مع قرار حكومة الرئيس نواف سلام، يدخل لبنان أخيرًا مرحلة التنفيذ الفعلي لأخطر بند في تاريخه الحديث: حصرية السلاح بيد الدولة.

هذه ليست خطوة إدارية، بل إعلان ولادة الجمهورية اللبنانية الثانية، حيث لا صوت يعلو فوق القانون، ولا بندقية تسبق الدستور.


الطائف... من نصوص مجمدة إلى فعل سياسي

اتفاق الطائف، الذي وضع حدًا للحرب الأهلية عام 1989، نصّ بوضوح على حلّ جميع الميليشيات، وتسليم سلاحها إلى الدولة خلال ستة أشهر. لكن عقودًا من الهيمنة بالسلاح جعلت هذا البند حبرًا على ورق.
اليوم، نواف سلام يعيد الطائف إلى الحياة، واضعًا خطًا أحمر أمام أي سلاح خارج الشرعية، ومعلنًا أن المعركة هذه المرة ليست على الأرض، بل على هوية لبنان وموقعه في العالم.


حزب الله يرد... ولعبة الشارع تنكسر

رد حزب الله جاء على لسان النائب محمد رعد، واصفًا القرار بـ"المرتجل" و"غير السيادي"، ومعتبرًا أن تسليم السلاح "انتحار". لكن ما جرى في الضاحية من مسيرات دراجات نارية لم يغيّر المعادلة: زمن ترهيب الشارع انتهى، والقرار هذه المرة مدعوم بغطاء عربي ودولي لم يسبق له مثيل.
لقد فُهمت الرسالة: لبنان لن يكون ساحة حرب وكالة بعد اليوم.


الرئيس بري... لحظة الحقيقة

على الرئيس نبيه بري، الذي أمضى نصف قرن في قلب السلطة، أن يختار كيف يختم تاريخه السياسي. الفرصة الأخيرة أمامه أن يكتب اسمه في خانة من أنقذوا الدولة، لا في قائمة من راوغوا حتى الرمق الأخير. فالتاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى.


البعد الدولي: دعم بلا سقف

القرار الحكومي يتقاطع مع الورقة الأميركية التي ترى أن تعزيز سيادة لبنان خطوة ضرورية لاستقراره الاقتصادي والسياسي، ومع رؤية عربية تقودها السعودية عبر رؤية 2030، التي تتطلب شريكًا لبنانيًا مستقرًا وموثوقًا.
واشنطن، باريس، والرياض تتحرك في خط واحد: إعادة لبنان إلى موقعه الطبيعي دولةً كاملة السيادة.


الأفق الاقتصادي والاجتماعي

تنفيذ الطائف ليس مجرد إجراء أمني؛ إنه بداية خطة إنقاذ شاملة:

إعادة الثقة بالقطاع المصرفي والاقتصادي.

جذب الاستثمارات العربية والأجنبية.

إطلاق مشاريع تنمية وبنية تحتية تمهّد لنهضة اقتصادية.

استعادة الكفاءات اللبنانية المهاجرة.


رسائل المرحلة

إلى الداخل: من يراهن على فوضى الشارع يخسر، ومن يتمسك بالدولة يربح.

إلى العرب: لبنان شريك في الاستقرار لا عبء على الأمن القومي.

إلى العالم: الشرق الأوسط قادر على إنتاج نموذج دولة ناجحة إذا توفرت الإرادة.


منذ الطائف حتى اليوم، لم يكن لبنان أقرب إلى فرصة ولادة جديدة كما هو الآن. المعركة ليست بين سلاحين، بل بين منطقين: منطق الدولة ومنطق الدويلة.
وإذا كان القرار الحكومي قد وضع لبنان على سكة التنفيذ، فإن التاريخ سيكتب أن هذه اللحظة كانت بداية النهاية لحقبة الفوضى، وبداية الجمهورية اللبنانية الواحدة.