طرابلس تُذبح ببطء: رصاصة متفلتة تقتل شاباً جديداً… والعدّاد لا يتوقف

في إحدى زواريب طرابلس، سقط شاب جديد، لا في معركة ولا على جبهة، بل ضحية لرصاصة متفلتة خرجت من فوهة سلاح بيد أحد “المدمنين” أو “الزعران”، الذين تجوّلوا كالعادة في الأحياء دون رادع، دون خوف، دون محاسبة.
مات الشاب.
ببساطة، بصمت، وسط صراخ أمّه التي هرعت إلى المستشفى حافية، تلفظ اسمه وتنتظر معجزة لم تأتِ.
حلم جديد يُدفن.
ووجه جديد يُضاف إلى لائحة الضحايا الطويلة التي لا تُعدّ ولا تُحصى، وكلهم من الشباب، وكلهم من طرابلس، وكلهم ماتوا من دون سبب… ومن دون عدالة.
القاتل؟ ما زال حراً.
المُسلّح؟ ما زال يسرح ويمرح.
الدولة؟ غائبة او تحاول احياناً .
الناس؟ اعتادت الموت، أو بالأحرى، أُجبرت على التعايش معه.
في مدينة تُعاني من الفقر، والبطالة، والتهميش، لم يعد الموت حدثاً مفاجئاً.
السلاح موجود في كل حي.
المخدرات تُباع على الأرصفة وفي زواريب المدارس.
والقانون يُطبق فقط على الضعفاء.
أحياء بأكملها باتت خارجة عن السيطرة، يفرض فيها “الفتوات” قوانينهم، فيما يختبئ المسؤولون خلف مكاتبهم ومواكبهم، يراقبون المدينة تنزف بصمت.
كل يوم، شاب جديد يُقتل.
كل أسبوع، جنازة جديدة.
وكل مرة، لا محاسبة، لا تحقيق، لا نتائج… فقط دموع، وغضب، وصمت.
إذا استمرّ هذا المسار، فإن طرابلس مقبلة على كارثة اجتماعية وأمنية.
السكوت عن هذا الواقع لم يعد خياراً.
المدينة تحتاج إلى خطة طوارئ، لا إلى خطابات انتخابية ومواقف موسمية.
هناك حلول مطلوبة… قبل فوات الأوان
1. نزع السلاح من الأحياء
إطلاق حملة أمنية واسعة، حازمة، وعادلة، و مستدامة لنزع السلاح غير الشرعي من أيدي كل من لا يحمل صفة قانونية، مهما كان انتماؤه أو غطاؤه السياسي.
2. مكافحة تجارة المخدرات بصرامة
مداهمات دورية للنقاط المعروفة، ومحاسبة علنية للتجار والحماة على حدّ سواء، مع إنشاء خط ساخن آمن للتبليغ.
3. خطة اجتماعية عاجلة
خلق فرص عمل حقيقية للشباب، وتأهيلهم مهنياً ونفسياً، ضمن برامج مدعومة من الدولة والبلديات والمجتمع الدولي.
4. عدالة حقيقية وشفافة
لا يجوز أن يُقتل شاب وتُغلق القضية ضد مجهول. يجب تفعيل عمل القضاء، وإعلان نتائج التحقيقات للرأي العام، والتوقف عن طمس الحقائق.
5. إرادة سياسية فعلية
طرابلس لا تحتاج إلى زيارات “عاطفية” من مسؤولين عند وقوع الكارثة. بل إلى قرارات واضحة، وتحرّك فعلي يُنقذ ما تبقّى من أمنها ومستقبلها.
ما يحدث في طرابلس اليوم ليس قضاءً ولا قدراً.
إنه نتيجة مباشرة لإهمال طويل، ولتواطؤ صامت، ولمرض مزمن اسمه: غياب الدولة.
لكن لا تزال هناك فرصة، بشرط أن نرفع الصوت، أن نرفض التطبيع مع الموت، وأن نطالب بحق أبنائنا في الحياة.
لأن من حق طرابلس أن تحلم، لا أن تحزن فقط.
ومن حق شبابها أن يعيشوا، لا أن يُدفنوا قبل الأوان.