دعوة قاسم إلى السعودية: جسْر عبور إلى العروبة أم فخّ سياسي جديد؟
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبدالحميد عجم

لبنان يقف اليوم أمام مشهد معقّد ومشحون: حكومة تتحدث عن خطة “حصر السلاح بيد الدولة”، السعودية تعلن دعمها المطلق للمؤسسات الشرعية، فيما يطلّ حزب الله من خلال أمينه العام نعيم قاسم بدعوة إلى الرياض لفتح صفحة جديدة. ثلاثية تبدو للوهلة الأولى كخطوة نحو تسوية كبرى، لكنها في الحقيقة لحظة انكشاف لمعادلة القوة التي تحكم لبنان منذ عقود.
الرياض تعود إلى الساحة اللبنانية بثبات. موقفها صريح: لا دولة بلا حصرية السلاح، ولا استقرار بلا قرار سيادي مستقل. دعمها للحكومة رسالة مزدوجة: ثقة بالمؤسسات الرسمية، وضغط على كل القوى التي ما زالت ترى في لبنان ساحة صراع بالوكالة. المملكة تضع شرطًا واضحًا: أي انفتاح على لبنان يمر عبر الدولة، لا عبر الميليشيا.
دعوة نعيم قاسم إلى السعودية تحمل في طيّاتها إدراكًا أن الاحتماء بإيران وحده لم يعد كافيًا. الحزب محاصر اقتصاديًا وسياسيًا، ويواجه عزلة عربية غير مسبوقة. لذلك يحاول فتح نافذة عربية جديدة عبر الرياض. لكن هنا تكمن المفارقة: الحزب لا يزال يتمسك بسلاحه كجوهر وجوده، فيما السعودية تعتبر أن أي تسوية بلا تسليم السلاح للدولة هي خديعة مكررة.
المعادلة واضحة: الرياض تدعم الحكومة اللبنانية في مواجهة فوضى السلاح، فيما الحزب يحاول إقناعها بأن سلاحه “موجّه فقط ضد إسرائيل”. لكن ذاكرة الخليج مثقلة بتجارب اليمن وسوريا والبحرين، حيث تحوّل هذا السلاح إلى أداة نفوذ إقليمي لإيران. لهذا، أي محاولة لإعادة تسويقه كـ"سلاح مقاومة فقط" تبدو قاصرة عن إقناع العواصم العربية.
وسط هذه التفاعلات يبقى نبيه بري الرقم الأصعب. الأميركيون لا يريدون كسره، الحزب لا يفرّط بتحالفه معه، والرياض تدرك أن أي حوار لبناني–عربي لن يتجاوز عين التينة. بري يوازن بين كل الأطراف، لكنه في النهاية جزء من معادلة تُبقي لبنان معلقًا بين دولة على الورق، وواقع يُدار بقواعد القوة.
ما بين دعم السعودية للحكومة ودعوة الحزب إلى الرياض، يتحدد مستقبل لبنان. إما أن تتحول الدعوة إلى فرصة تاريخية لإعادة وصل لبنان بمحيطه العربي على قاعدة الدولة، أو تبقى مجرد مناورة لكسب الوقت بانتظار جولة صراع جديدة.
السعودية قالت كلمتها: لا غطاء بلا دولة. الكرة الآن في ملعب حزب الله. هل يجرؤ على خطوة حقيقية نحو تسليم القرار للدولة، أم يواصل سياسة المناورة التي أوصلت لبنان إلى حافة الانهيار؟