دولة تُولد أو وطن يُدفن: جوزف عون ونواف سلام في لحظة الحقيقة
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

في علم السياسات الدولية، لا تُقاس قوة الدول بعدد جيوشها أو حجم اقتصادها فقط، بل بقدرتها على احتكار قرارها السيادي ضمن حدودها. من هذا المعيار، يمكن القول إن لبنان لم يعد يُصنَّف دولة بالمعنى الوظيفي الكامل، بل “نظامًا هشًا تحت تأثير هيكلي مزدوج: داخلي مسلّح وخارجي متردد”.
لكن وسط هذا الفراغ المخيف، ظهرت ثنائية رئاسية نادرة تُحرّك القلق والأمل معًا:
رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام.
كلاهما لا ينتمي إلى شبكة الزبائنية التقليدية. لا ملفات فساد، لا ارتباطات مصلحية، ولا تواطؤ مع منظومة السلاح.
المشهد كما تراه العواصم
في باريس، اجتمعت فرنسا والولايات المتحدة والسعودية حول طاولة واحدة، ولم يكن هدف اللقاء “إنقاذ لبنان”، بل إعادة تعريف كيفية التعامل معه.
لم تعد المشكلة مرتبطة بمن يشغل المواقع، بل بطبيعة السلطة نفسها: دولة بلا سيادة، وحكومة بلا قرار، ومؤسسات تخضع لمعادلة “الردع بالسلاح” لا الردع بالقانون.
وهنا، يُطرح السؤال الإستراتيجي الصامت داخل الدوائر الدبلوماسية:
هل لا يزال ممكنًا إنقاذ ما تبقى من الدولة اللبنانية من داخلها، أم يجب التعامل معها ككيان منتهي الصلاحية السياسية؟
السبب البنيوي للأزمة: سلاح “حزب الله” كعائق بنيوي لا أمني فقط
السلاح الخارج عن سلطة الدولة لم يعد مجرد “ملف شائك” بل بات مكونًا مهيمنًا على القرار الوطني.
هو الذي يمنع تطبيق القرار 1701 بشكل متوازن.
هو الذي يجمّد أي مبادرة لترسيم الحدود بشكل سيادي لا تقني.
وهو الذي يُضعف موقف الدولة أمام الخليج، ويحول لبنان إلى نقطة شبهة أمنية، لا شريك عربي موثوق.
لا دولة في لبنان بدون نزع الطابع العسكري عن أي جهة غير الجيش.
ولا ثقة دولية ما دام القرار السيادي مشتركًا بين الحكومة والحزب.
جوزف عون ونواف سلام: النواة النظيفة في بنية ملوثة
هنا تبرز الاستثناءات.
الرئيس جوزف عون يأتي من خارج النادي السياسي التقليدي. قوته ليست في صفقات أو دعم طائفي، بل في رمزية الاستقامة والانضباط والانتماء العسكري للدولة.
الرئيس نواف سلام لا يمثل “وجهاً ناعماً” لمنظومة قديمة، بل أحد القلائل الذين ما زالوا يحظون بشرعية عربية وغربية ناتجة عن النزاهة، لا النفوذ.
الاثنان معًا يشكلان آخر فرصة داخلية لصياغة مشروع وطني جديد يُعيد تعريف الدولة ككيان له معنى، لا مجرد هيكل دستوري فارغ.
ما هو المطلوب؟ موقف سيادي لا مواجهة
لا أحد يطلب منهما إعلان حرب داخلية أو صدام.
لكن التاريخ ينتظر منهما شيئًا واحدًا فقط:
بيان واضح، سيادي، وطني، يقول صراحة: السلاح يجب أن يكون بيد الدولة وحدها.
هذا الموقف، بمجرد إعلانه من أعلى سلطتين في الجمهورية، سيفعل ما لم تفعله سنوات من الحوارات والمناورات:
يُحرّك الديناميكية العربية مجددًا.
يعيد التوازن في الجنوب.
يكسر المعادلة النفسية التي تقول: “لا أحد يجرؤ”.
البديل؟ جمهورية مُنهارة تخرج من التاريخ
في حال غياب هذا الموقف، فإن البديل بات معروفًا:
المزيد من العزل العربي والدولي.
استقالة غير معلنة من ملف المساعدات.
فراغ أمني مفتوح في الجنوب قد يتدحرج إلى نزاع أكبر.
وأخطر من كل ذلك: سقوط الدولة نفسيًا في عيون مواطنيها.
وحين تسقط الدولة من الداخل، لا يُرممها الخارج، بل يُحاصرها.
القرار ليس شجاعة… بل بقاء
فخامة الرئيس، دولة الرئيس،
لا تترددا.
هذه لحظة لا تُشبه اللحظات.
أنتم لا تملكون فقط الحق في إعلان موقف سيادي…
بل واجب الدفاع عن فكرة الدولة نفسها.
الشعب معكم.
العرب ينتظرون.
والوقت ينفد.