أنا وأخي على الغريب… السعودية وباكستان يعيدان تعريف الأمن الإقليمي
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبدالحميد عجم

في الموروث العربي، قيل: «أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب». مثل يختصر فلسفة التضامن والتكاتف حين يشتد الخطر. اليوم، يتحول هذا المثل الشعبي إلى واقع سياسي–استراتيجي مع توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان، والتي قد تكون واحدة من أكثر الخطوات تأثيرًا في تشكيل مستقبل الأمن الإقليمي والعالمي.
الاتفاقية تنص بوضوح: أي اعتداء على أحد الطرفين يُعتبر اعتداءً على الآخر. العبارة تحمل قوة ردع تتجاوز حدود الشرق الأوسط لتطال موازين القوى العالمية. السعودية لم تعد تكتفي بدور الدولة المركزية في الخليج، وباكستان لم تعد مجرد قوة نووية آسيوية؛ بل دخل الطرفان في شراكة تُعيد رسم قواعد اللعبة.
لطالما اعتمدت دول الخليج على المظلة الغربية، وخصوصًا الأميركية. لكن التطورات الأخيرة، من حرب غزة وتداعياتها، إلى الضربة الإسرائيلية في الدوحة، وصولاً إلى ارتباك الموقف الدولي تجاه أزمات المنطقة، دفعت السعودية إلى إعادة تعريف أمنها القومي. المملكة، التي تتحول بسرعة إلى قوة اقتصادية وسياسية عالمية، تعلن عبر هذه الاتفاقية أن زمن الاعتماد الأحادي قد انتهى.
باكستان تدخل الاتفاقية وهي تحمل أوراق قوة لا يستهان بها: ترسانة نووية، قدرات صناعية عسكرية، وخزان بشري ضخم. لكنها في الوقت نفسه تبحث عن استقرار اقتصادي وشراكات تعزز مكانتها. الانخراط مع السعودية يمنحها نفوذاً جديداً في الخليج، ويعيدها لاعباً محورياً في التوازنات الإسلامية والإقليمية.
الهند تراقب بحذر، فوجود باكستان في تحالف دفاعي مع السعودية قد يعقّد حساباتها الاستراتيجية.
الولايات المتحدة وأوروبا تقرأان الاتفاق كإشارة إلى أن السعودية تنفتح على تحالفات بديلة، دون أن تدير ظهرها تماماً للغرب.
إسرائيل تجد نفسها أمام توازن جديد قد يعقّد مساعيها في المنطقة.
حين يتحول مثل شعبي إلى عنوان للسياسة الواقعية، فهذا يعني أن المنطقة أمام تحوّل حقيقي. «أنا وأخي على الغريب» لم يعد شعاراً قبلياً، بل صار معادلة دفاعية عابرة للحدود. السعودية وباكستان تكتبان فصلاً جديداً: تحالف بين القوة الاقتصادية والروحية للعالم العربي، والقوة النووية للعالم الإسلامي.
هذه ليست مجرد «اتفاقية تعاون»؛ إنها إعلان عن ولادة منظومة أمنية جديدة، تُطمئن الشعوب وتربك الخصوم. لحظة تاريخية تثبت أن الذكاء السياسي يكمن في معرفة متى تُبنى التحالفات، ومع مَن، وضد مَن.
وبينما يختلف العالم حول خرائط النفوذ، تبقى الحقيقة أن السعودية وباكستان اليوم اختارتا أن تقولا للعالم: نحن معاً… والرسالة واضحة لكل غريب.