لبنان بين السلاح والمصالح: حين سقطت الدولة بشراكة خصومها

بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم

لبنان بين السلاح والمصالح: حين سقطت الدولة بشراكة خصومها

في لبنان، لم تُكسر الدولة برصاصة… بل بصفقة.
ولم تُدمَّر السيادة بحرب أهلية، بل بتواطؤ طبقة سياسية اختارت أن تحكم على حافة السلاح لا على قاعدة الدستور.

من “قوى 14 آذار” التي وُلدت من دماء الشهداء، إلى “حزب الله” الذي وُلد من بندقية المقاومة، اجتمع الخصمان على نتيجة واحدة: لبنان بلا دولة.

اليوم، وبعد عقدين من الشعارات، يقف اللبناني أمام سؤالٍ مرٍّ ومؤلم:
من خان الدولة أكثر؟
من حمل السلاح خارجها… أم من سكت عنه طمعًا في السلطة؟

 بين الخوف والمصلحة… صفقة على حساب الوطن

امتلكت قوى 14 آذار في لحظة تاريخية الأغلبية النيابية، والغطاء الشعبي، والدعم الدولي.
لكنها اختارت المهادنة بدل المواجهة.
لم يكن ذلك ضعفًا سياسيًا فحسب، بل صفقة مصالح متبادلة.

السلاح الذي كان يُفترض نزعه تحوّل إلى ضمانة لتقاسم النفوذ،
والصمت الذي كان يُفترض أن يكون حكمة تحوّل إلى تواطؤ مريح.
هكذا، ذاب شعار «لبنان أولًا» في لعبة الكراسي،
وأصبح الوطن آخرًا في جدول حسابات الجميع.

في كل استحقاق — من انتخاب الرئيس إلى تشكيل الحكومة —
لم يكن القرار بيد الشعب، بل بيد ميزان السلاح.
وسكتت القوى التي رفعت شعار “السيادة” لأنها وجدت في ظل السلاح حمايةً لمصالحها.

حزب الله… من مقاومة الاحتلال إلى احتلال الدولة

في بداياته، شكّل حزب الله رمزًا للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
لكن مع الوقت، تحوّل إلى سلطة موازية تمتلك السلاح والمال والقرار.
فرض معادلة “الشريك الإجباري”،
لأن الآخرين لم يمتلكوا الجرأة على رفضها.

حين أصبح السلاح فوق الدولة، دخل لبنان مرحلة الوصاية الجديدة —
هذه المرّة بغطاء داخلي وولاء خارجي.

والسؤال الأخطر اليوم:
هل كان حزب الله بحاجة إلى صمت الآخرين ليستقوي؟
أم أن الآخرين احتاجوا إلى سلاحه ليستمرّوا؟

الجواب واضح لمن يقرأ بين السطور:
الاثنان تواطآ بصمتٍ قاتل.

النتيجة أمامنا واضحة:
اقتصاد منهار، مؤسسات عاجزة، قضاء مشلول، وحدود مستباحة.

كل طرف يلوم الآخر، لكن الحقيقة أن لبنان لم يُسقطه عدو خارجي،
بل شركاء الداخل.

من “مار مخايل” إلى “الطائف”،
ومن “14 آذار” إلى “8 آذار”،
كان الخلاف على الحصص أكبر من الخلاف على المبدأ.

وهكذا، بدل أن يكون السلاح وسيلة حماية، أصبح عملة سياسية،
وبات الشعب رهينة بين خوفين:
خوف من فقدان الأمن… وخوف من قول الحقيقة.


سيأتي يوم يُكتب فيه أن لبنان لم يُحتلّ، بل أُدير بالسكوت.
أن البنادق لم تسرق الدولة، بل حُمّيت بها السرقة.
وأن الزعامات التي ادّعت السيادة كانت شريكة في قتلها.

لبنان لا يحتاج إلى وساطات خارجية،
بل إلى ثورة ضمير داخلية،
تعيد تعريف الوطنية على أساس المحاسبة لا التسويات.

فمن دون كشف الحقيقة ومحاسبة من تواطأ —
سلاحًا أو صمتًا —
سيبقى لبنان دولة معلّقة بين المقاومة والمقامرة.

لبنان ليس دولة فاشلة…
بل دولة أُفشِلت عمداً،
بأيدي من رفعوا شعارات حمايتها،
واختاروا الصفقات بدل السيادة،
والسكوت بدل المواجهة.

وحتى يُكسر هذا الصمت،
سيبقى لبنان يصرخ في وجه العالم:
«أنا لم أسقط… بل أسقطتموني.»