لبنان يطرق أبواب النار: نزع سلاح المخيمات الفلسطينية بين حلم السيادة وكابوس الانفجار
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

في مشهد يختلط فيه السياسي بالأمني، والتاريخي بالراهن، دخل لبنان أخيراً مرحلة التنفيذ الفعلي لمسار نزع السلاح من المخيمات الفلسطينية، في خطوةٍ توصف بالأكثر جرأة منذ عقود، قد تعيد رسم العلاقة الشائكة بين الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية، لكنّها تسير فوق حقل ألغام من الانقسام والشكوك.
الاجتماع الأول للجنة اللبنانية الفلسطينية المشتركة، برئاسة السفير رامز دمشقية وحضور رئيس الحكومة نواف سلام، شكّل نقطة الانطلاق العملية لبدء سحب السلاح من بعض المخيمات، بدءاً من مخيمي مار إلياس وشاتيلا في بيروت، حيث لا ثقل فعلياً لفصائل مثل "حماس" و"الجهاد الإسلامي".
وفيما رحب الجانب اللبناني بمبادرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، واعتبرها مدخلاً لتعزيز السيادة اللبنانية وتحسين ظروف اللاجئين، جاء الرد من "حماس" مفعماً بالتحفّظ، وربما القلق. الفصائل الإسلامية شعرت أنها أقصيت من القرار، ووصفت التحرك بأنه "تفرد لا يعكس التوافق الفلسطيني"، ملوّحةً بمخاطر التعقيد إذا لم يُفتح حوار شامل.
تقول مصادر "حماس" لـ"الشرق الأوسط": "الرئيس عباس ليس الممثل الأوحد للفلسطينيين، والقرار لم يُناقش مع الفصائل الفاعلة في المخيمات". ورغم تأكيدها على الحرص على الاستقرار وعدم التصادم مع الدولة اللبنانية، إلا أن الرسالة كانت واضحة: لا سلاح بلا نقاش.
المفارقة أن هذه الخطوة تأتي في وقت يُفترض فيه أن الساحة الفلسطينية بحاجة ماسة إلى وحدة موقف، لا سيما في ظل التحديات الجسيمة في غزة والضفة الغربية. لكن يبدو أن الشرخ الداخلي يواصل تقويض أي قرار مشترك، حتى عندما يتعلق بمصير آلاف اللاجئين في لبنان.
الحكومة اللبنانية تسعى لحصر السلاح في يدها، لكنها تدرك أن الرهان ليس فقط أمنياً. فالمعادلة التي تُطرح اليوم هي: نزع السلاح مقابل تحسين ظروف الحياة. وهي معادلة تتطلب تنفيذاً صادقاً على الأرض، لا وعوداً فضفاضة.
من جهتها، أعلنت لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني أن هناك خطوات متزامنة لتعزيز الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للاجئين، في محاولة لبناء ثقة مفقودة منذ سنوات طويلة. لكن السؤال الجوهري يبقى: هل يكفي تحسين الخبز لكسر البندقية؟
المهمة التي تنتظر الجيش اللبناني ليست تقنية فقط، بل سياسية وشعبية في آنٍ معاً. كيف سيتم استلام السلاح؟ من هي الجهة التي تضمن ألا يُخبأ السلاح مرة أخرى؟ من يملأ الفراغ الأمني والإداري داخل المخيمات بعد انسحاب الفصائل؟ أسئلة كثيرة بلا إجابات واضحة حتى الآن.
وفي الكواليس، لا تُخفى مخاوف من أن تتدخل أطراف خارجية لتعطيل المسار، خاصة في ظل النفوذ الإيراني والسوري التاريخي داخل بعض الفصائل. كما أن أي زلة في التنفيذ قد تشعل فتيل صراع ميداني لن يكون في مصلحة أحد.
ما بدأته بيروت هذا الشهر قد يكون بداية مسار شائك، لكنه ضروري. نزع السلاح من المخيمات ليس فقط قراراً سيادياً، بل خطوة حيوية نحو إعادة تنظيم العلاقة اللبنانية – الفلسطينية على أسس واضحة. فإما أن تتحوّل هذه المبادرة إلى نموذج يُحتذى، أو تكون مجرّد جولة جديدة في مسلسل الخيبات المتبادلة.
ويبقى الأمل معقوداً على أن تُترجم التصريحات إلى أفعال، وأن لا يتحوّل السلاح إلى "كلمة محرّمة" ولا إلى "قنبلة مؤجلة".