الاختلاف داخل البيت الخليجي: بين إدارة التباين وحماية المصلحة العربية العليا

بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم

الاختلاف داخل البيت الخليجي: بين إدارة التباين وحماية المصلحة العربية العليا

تمرّ المنطقة العربية بمرحلة دقيقة تتداخل فيها التحديات الأمنية مع التحولات السياسية والاقتصادية، ما يجعل من وحدة الرؤية العربية، وخصوصًا الخليجية، عنصرًا أساسيًا في حفظ الاستقرار الإقليمي ومنع الانزلاق نحو مسارات غير محسوبة.

في هذا السياق، يبرز ما يتم تداوله إعلاميًا حول تباينات في مقاربة بعض الملفات الإقليمية، وعلى رأسها أمن البحر الأحمر والتعامل مع التهديدات الحوثية. وهي تباينات لا ينبغي قراءتها خارج إطارها الطبيعي: اختلاف في تقدير الأساليب، لا في الأهداف ولا في الثوابت.

حين يتحول الاختلاف إلى مادة خارجية

الخطورة لا تكمن في وجود اختلافات بين دول كبرى بحجم السعودية والإمارات، فذلك أمر طبيعي في العلاقات الدولية، بل في كيفية إدارة هذا الاختلاف، وطريقة تقديمه للرأي العام الإقليمي والدولي.

ففي عالم شديد الاستقطاب، تُضخّم التباينات العربية بسرعة، وتُعاد صياغتها بما يخدم أجندات لا تتقاطع بالضرورة مع المصلحة العربية. وهنا يصبح من السهل على قوى إقليمية غير عربية، وفي مقدمتها إيران، وقوى دولية ذات مصالح خاصة، استثمار أي فجوة خطابية أو سياسية.

المصلحة العربية أولاً

السعودية والإمارات تمثلان ركيزتين أساسيتين في النظام العربي، وأي تقارب أو تباعد بينهما لا يبقى محصورًا في إطاره الثنائي، بل ينعكس على مجمل التوازنات الخليجية والعربية.

من هذا المنطلق، فإن الحفاظ على:

وحدة الرسائل السياسية

تنسيق المواقف في الملفات الحساسة

وضوح الرؤية المشتركة تجاه التهديدات الإقليمية

يُعدّ ضرورة استراتيجية، لا خيارًا سياسيًا.

البحر الأحمر: مسؤولية جماعية

يمثل البحر الأحمر أحد أهم الممرات الحيوية للتجارة العالمية والأمن الإقليمي، وأي توتر فيه لا ينعكس فقط على دول الجوار، بل على الاقتصاد العالمي برمّته.

التعامل مع هذا الملف يتطلب مقاربة متوازنة تجمع بين:

الردع المسؤول

والحفاظ على مسارات التهدئة

ومنع توسّع الصراع أو تدويله

وهو ما يستدعي أعلى درجات التنسيق بين العواصم العربية المؤثرة.

دروس من التجارب العربية

تجارب المنطقة، وخصوصًا في دول مثل لبنان، أثبتت أن غياب التوافق العربي يفتح المجال أمام تمدد الفاعلين من خارج الدولة، ويضعف مؤسساتها، ويطيل أمد الأزمات.

ولهذا، فإن وحدة الموقف الخليجي لا تخدم الخليج وحده، بل تشكل رافعة استقرار للعالم العربي بأسره.

الاختلاف بين الدول ليس ضعفًا،

لكن تركه دون إدارة واعية قد يتحول إلى عبء استراتيجي.

في مرحلة تتكاثر فيها التحديات، تصبح الحكمة السياسية قائمة على:

إدارة التباين، لا تضخيمه

وتعزيز التنسيق، لا إضعافه

وتقديم المصلحة العربية العليا على أي اعتبارات ظرفية

إن قوة السعودية والإمارات تكمن، اليوم أكثر من أي وقت مضى، في تلاقي الرؤى وتكامل الأدوار، بما يحصّن المنطقة ويمنع الآخرين من رسم مستقبلها نيابة عنها.