وحدة السعودية والإمارات: حين يصبح التماسك العربي رسالة للعالم
بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم
في لحظات التحول الكبرى، لا تُقاس قوة الدول بما تملكه من عتاد فقط، بل بقدرتها على منع الاختلاف من التحول إلى انقسام، وعلى حماية تحالفاتها من التشويه، لا سيما حين تتكاثر محاولات الاصطياد في المياه العكرة.
ما يُثار بين الحين والآخر عن “خلاف سعودي–إماراتي” ليس توصيفًا دقيقًا للواقع، بقدر ما هو إسقاط سياسي وإعلامي يتجاهل طبيعة العلاقة بين دولتين تمثلان عمود التوازن العربي في منطقة تعيش على حافة الانفجار.
الاختلاف في الأسلوب… وحدة في المصير
السعودية والإمارات ليستا دولتين تبحثان عن نفوذ عابر، بل دولتان تديران مشروع استقرار في إقليم مثقل بالصراعات. ومن الطبيعي، بل من الصحي، أن تختلف المقاربات التكتيكية في ملفات معقدة مثل اليمن أو أمن الممرات البحرية، لكن غير الطبيعي هو تحويل هذا الاختلاف إلى رواية انقسام.
في علم السياسة، هذا ليس خلافًا، بل تنويع أدوات داخل استراتيجية واحدة.
وفي ميزان المصالح، لا تملك الرياض ولا أبو ظبي ترف الصراع، لأن أي تصدع بينهما لا يضعفهما فقط، بل يُضعف المنطقة بأكملها.
من المستفيد من تسويق الانقسام؟
السؤال الذي يجب أن يُطرح بوضوح:
من يربح إذا صُوّرت العلاقة السعودية–الإماراتية كعلاقة متوترة؟
الإجابة معروفة:
قوى إقليمية تتغذى على الفوضى
أطراف غير عربية تراهن على تفكيك القرار العربي
مشاريع لا تزدهر إلا حين يغيب التماسك
أما العرب، فليس لهم أي مصلحة في ذلك.
ولا اليمن، ولا لبنان، ولا الخليج، ولا الأمن الإقليمي، يستفيد من شرخٍ بين أكبر قوتين عربيتين.
إعادة التموضع ليست انسحابًا
في هذا السياق، يجب قراءة أي خطوة أو تحول في السياسات، سواء في اليمن أو غيره، باعتباره إعادة تموضع عقلانية فرضتها تعقيدات الميدان وتغير المعادلات، لا تراجعًا عن الالتزامات ولا تخليًا عن الشراكات.
الدول الكبرى لا تُدار بالعاطفة، بل بالحسابات الباردة.
والقوة الحقيقية ليست في البقاء في كل ساحة، بل في اختيار المعركة الصحيحة، والزمان الصحيح، والأداة الصحيحة.
رسالة إلى العالم
السعودية والإمارات لا تحتاجان إلى إثبات وحدتهما بالشعارات، لأن الوقائع السياسية والاستراتيجية تؤكدها.
لكن على العالم أن يدرك حقيقة أساسية:
حين تتماسك الرياض وأبو ظبي، يستقر الإقليم.
وحين يُشكك في هذا التماسك، تُفتح أبواب الفوضى.
هذه ليست مبالغة، بل خلاصة تجربة عقد كامل من الأزمات العربية.
لا انقسام سعودي–إماراتي،
ولا صراع خليجي–خليجي،
ولا مشروع عربي يمكن أن يقوم على الخصومة بين الأشقاء.
ما يوجد هو شراكة ناضجة، قادرة على إدارة الاختلاف دون أن تنكسر، وعلى حماية المصالح دون أن تنجر إلى معارك جانبية.
وفي عالم مضطرب، تبقى الحقيقة الأهم:
وحدة السعودية والإمارات ليست شأنًا ثنائيًا، بل ركيزة استقرار إقليمي ورسالة سياسية للعالم بأسره.