﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ رسالة صريحة إلى القيادة السعودية حول السنّة في لبنان
بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم
في لحظات التحوّل الكبرى، تُختَبَر الدول لا بقوة قراراتها فقط، بل بعدالتها السياسية. والعدالة، في جوهرها، تقوم على مبدأ واضح لا يقبل التأويل: لا يُعاقَب جماعياً من لم يرتكب الخطأ. هذا المبدأ ليس شعاراً، بل قاعدة حكم، عبّر عنها القرآن الكريم بوضوح حين قال:
﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾.
من هذا المنطلق تحديداً، يخرج اليوم سؤال ثقيل من لبنان باتجاه الرياض:
هل يدفع السنّة في لبنان ثمن استياء سياسي مرتبط بمرحلة قيادية سابقة؟
الوقائع السياسية تشير إلى أن هناك حالة فتور واستياء سعودي من المسار الذي انتهت إليه القيادة السنية في مرحلة ما. وهذا أمر مفهوم في السياسة، حيث تُقيَّم التجارب وتُراجع الخيارات. لكن ما يثير القلق اليوم هو أن هذا الاستياء لم يبقَ محصوراً بالأسماء، بل انعكس على البيئة السنية ككل، وعلى قوى معتدلة وسيادية لم تكن يوماً جزءاً من الأخطاء، بل كانت في صلب المواجهة مع المشروع الإيراني في لبنان.
السنّة في لبنان لم يبدّلوا موقعهم.
لم ينقلبوا على خيار الدولة.
لم يساوموا على سيادة لبنان.
ومع ذلك، يشعرون اليوم أنهم خارج دائرة الأولويات، وكأن الاعتدال لم يعد قيمة سياسية، وكأن من واجه ودفع الثمن أصبح عبئاً لا شريكاً.
سمو القيادة السعودية،
إن تعميم الاستياء خطأ استراتيجي، لا أخلاقي فقط. فالقيادات تتغيّر، والتجارب تُراجع، لكن البيئات الوطنية لا تُدار بمنطق العقوبة الجماعية. ومن واجه المشروع الإيراني سياسياً وشعبياً، لا يجوز أن يُساوى بمن انسحب أو صمت أو أخطأ في التقدير.
لبنان اليوم يقف على حافة فراغ خطير.
وحين يصيب الفراغ بيئة الاعتدال السني، لا يبقى حيادياً. إما أن يُملأ بمشروع الدولة، أو تملؤه مشاريع أخرى لا تخدم لا الاستقرار ولا المصالح العربية.
تاريخياً، شكّل السنّة في لبنان:
ركيزة للاستقرار الداخلي
جسراً للاعتدال العربي
وصمّام أمان في أكثر المراحل الإقليمية تعقيداً
وتركهم في حالة إحباط سياسي ومعنوي لا يضعف خصوم المملكة، بل يمنحهم مساحة أوسع للحركة، ويُضعف منطق الدولة الذي لطالما راهنت عليه السعودية.
هذه ليست رسالة عتب، بل رسالة مراجعة.
فالنفوذ الحقيقي لا يُبنى بالمسافة، بل بالشراكة الذكية. والتمييز بين خطأ فردي ومسؤولية جماعية هو ما يصنع حضوراً مستداماً، لا الفراغ الصامت.
السنّة في لبنان لا يطلبون امتيازاً،
ولا يبحثون عن وصاية،
بل عن وضوح، وشراكة، وعدالة سياسية.
﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾
ليست آية للتلاوة فقط،
بل قاعدة لو طُبّقت في السياسة،
لاستُعيد التوازن قبل أن يتحوّل الفراغ إلى أزمة.