الرياض ولبنان: انفتاح على صانعي الانهيار أم بحث عن استقرار بأي ثمن؟
بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم
ط
في لحظة لبنانية مفصلية، حيث ينهار القديم ولم يولد الجديد بعد، تبدو السياسة الإقليمية وكأنها تسير بعكس البوصلة. فبدل أن تكون الأولوية لمحاسبة من شارك في تدمير الدولة اللبنانية، نشهد محاولات لإعادة تدوير وجوه سياسية استفادت مباشرة من سلاح “حزب الله” ومن منظومة التعطيل والفساد، فيما تُترك القوى السيادية والشارع السني في حالة إحباط وفراغ قاتل.
السؤال لم يعد همسًا في الصالونات السياسية، بل بات صريحًا في الشارع اللبناني والعربي:
لماذا تراهن السعودية على من دمّر لبنان؟
من الشراكة في الانهيار إلى الهروب من المسؤولية
لم يكن الانهيار اللبناني نتيجة خطأ تقني أو ظرف اقتصادي عابر، بل نتاج شراكة سياسية واضحة بين سلاح خارج الدولة وطبقة سياسية وفّرت له الغطاء والشرعية والمكاسب. هؤلاء لم يكونوا ضحايا مرحلة، بل مستفيدين مباشرين منها.
اليوم، ومع تغيّر المزاج الإقليمي، يحاول بعضهم الانكفاء بهدوء، أو العودة بثوب “الاعتدال” و”الواقعية”، من دون أي اعتراف بدورهم، ومن دون أي مساءلة سياسية أو أخلاقية. الأخطر أن هذا السلوك يجد، في بعض الأحيان، تفهّمًا أو انفتاحًا خارجيًا تحت عناوين الاستقرار وإدارة المرحلة.
لكن الاستقرار المبني على النسيان ليس استقرارًا، بل تأجيلًا لانفجار جديد.
تسمية الأشياء بأسمائها
جبران باسيل
سياسي بنى نفوذه على تفاهم واضح مع “حزب الله”، استفاد من السلاح كأداة تعطيل وحماية، وشارك في منظومة أوصلت لبنان إلى الانهيار. اليوم يحاول إعادة تقديم نفسه بخطاب مختلف، من دون تحمّل أي مسؤولية عن الماضي.
فيصل كرامي
وفّر غطاءً سياسيًا سنّيًا لمحور السلاح تحت عناوين “الاعتدال” و”التوازن”، فيما كان شريكًا في تعطيل الدولة وضرب مؤسساتها، ومساهمًا في إضعاف القرار السيادي.
طوني فرنجية
امتداد مباشر لمنظومة الممانعة، لم يقدّم يومًا مشروع دولة، بل استفاد من موازين القوة التي فرضها السلاح، ويُطرح اليوم كجزء من الحل رغم كونه جزءًا أصيلًا من المشكلة.
طه ناجي
اسم جرى توظيفه سياسيًا ضمن محاولات إدارة الفراغ السنّي، من دون وزن سيادي حقيقي أو مشروع وطني واضح، في سياق ملء الوقت لا بناء البديل.
في الجهة المقابلة: من تُرك وحيدًا؟
القيادة السيادية: متروكة
القوى والشخصيات التي رفعت لواء الدولة، السيادة، والمؤسسات، تُركت بلا دعم فعلي، وبلا غطاء سياسي أو إقليمي، رغم أنها دفعت الثمن الأكبر في مواجهة السلاح ومنظومة التعطيل.
الشارع السني: محبط ومهمَل
إحباط واسع وعميق، ناتج عن:
غياب الشراكة السياسية الحقيقية
شعور بالتهميش بعد سنوات من المواجهة
تحميله أخطاء لم يكن سببها
هذا الإحباط لا يتجه نحو التطرف، بل نحو الخيبة من الرياض، التي طالما اعتُبرت الحاضن العربي الطبيعي لمشروع الدولة في لبنان.
رسالة تنبيه إلى الرياض
إلى القيادة السعودية: انتبهوا
إن مكافأة من استفاد من سلاح “حزب الله”، أو التعامل معه كخيار واقعي، مقابل تجاهل من دافع عن الدولة، لا يصنع نفوذًا مستدامًا ولا استقرارًا حقيقيًا.
الاستقرار لا يُبنى بتدوير النخب الفاشلة، بل بمحاسبتها.
والنفوذ لا يُشترى بالصفقات، بل يُبنى على الثقة والوضوح والشراكة العادلة.
لا إنقاذ بلا محاسبة
قد يأتي يوم يُطرح فيه سلاح “حزب الله” على طاولة الحل، لكن إن لم تُطرح معه مسؤولية من غطّاه واستفاد منه، فإن لبنان سيبقى يدور في الحلقة نفسها، بوجوه مختلفة وأسماء جديدة.
من دمّر الدولة لا يمكن أن يكون شريكًا في إنقاذها.
ومن أفلت من المحاسبة مرة، سيكرّر الفعل متى سنحت الفرصة.
لبنان لا يحتاج إلى إدارة انهياره، بل إلى كسر قواعده. وأولى هذه القواعد: إنهاء الإفلات من المحاسبة، مهما تغيّرت العناوين والرايات.