الدم يُباع سياسياً: نتنياهو يستغل هجوم سيدني لصناعة إسرائيل-الضحية

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

الدم يُباع سياسياً: نتنياهو يستغل هجوم سيدني لصناعة إسرائيل-الضحية

في صباح 15 ديسمبر 2025، شهدت سيدني هجوماً إرهابياً أودى بحياة 16  شخصاً وأصاب أكثر من 40 آخرين، مستهدفاً احتفالاً يهودياً بعيد "الحانوكا". بينما كانت أعين العالم معلقة على تداعيات الهجوم، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقرأ الفرصة السياسية في هذا الحدث الدموي قبل غيره.

الهجوم ليس مجرد حادثة محلية أو صراع فردي؛ بل هو نافذة ذهبية لنتنياهو لإعادة إنتاج سردية إسرائيل-الضحية على المسرح الدولي. في وقت يواجه فيه المجتمع الدولي موجة غضب عارمة من حرب غزة التي أودت بحياة عشرات آلاف الفلسطينيين، يمكن للربط بين هجوم سيدني والتهديدات التي يتعرض لها اليهود حول العالم أن يحوّل الانتباه من انتقادات السياسة الإسرائيلية إلى "الخطر اليهودي العالمي".

سارع نتنياهو فور الإعلان عن الهجوم إلى تصوير نفسه كحامي للشتات اليهودي، مؤكداً أن "يهود العالم لم يعودوا آمنين"، وأن إسرائيل تظل الملجأ الأخير لهم. هذه الرسالة ليست عاطفية فحسب؛ بل استراتيجية مدروسة: إذ تربط بين الهجمات الإرهابية ومعاداة إسرائيل، وتهيئ الأرضية للرد الدبلوماسي والسياسي على أي انتقاد دولي للحرب على غزة.

الخطاب الإسرائيلي الجديد لا يقتصر على الدفاع عن النفس، بل يسعى إلى خلق معادلة جديدة في الرأي العام العالمي: من يعارض سياسات إسرائيل في غزة، يصبح تلقائياً في خانة "معاداة السامية". وهذا الربط، الذي يختلط فيه السياسي بالأمني والإنساني، يمنح نتنياهو ورقة ضغط قوية أمام الغرب، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا، لإضفاء شرعية على سياساته الداخلية والخارجية.

الهجوم يوفر لإسرائيل عدة أدوات مباشرة:

الإعلام الدولي: التحكم في الرواية عبر شبكات الأخبار العالمية التي تنقل حجم الخطر على اليهود، مما يعزز صورة إسرائيل كدولة محمية تواجه الإرهاب العالمي.

السياسة الداخلية: توجيه انتقادات محتملة للحكومة الإسرائيلية أو قيادات دولية معارضة للسياسات الإسرائيلية على أنها غير قادرة على حماية اليهود، وبالتالي تعزيز موقعه السياسي في الداخل.

القانون الدولي والدبلوماسية: استغلال الهجوم كذريعة لإعاقة أي جهود للاعتراف بالدولة الفلسطينية أو توجيه انتقادات للمستوطنات، عبر المزج بين حقوق الإنسان ومعاداة الإرهاب.

الهجوم في سيدني يخلق دوامة إعلامية وعاطفية. في هذا المناخ، يصبح من الصعب على أي ناشط أو منظمة حقوقية أن تنتقد إسرائيل دون مواجهة اتهامات ضمنية بمعاداة السامية. هكذا، ينجح نتنياهو في تحويل الأحداث الإرهابية إلى رصيد سياسي مزدوج: دفاع عن الأمن اليهودي، وهجوم على الخصوم السياسيين، داخل إسرائيل وخارجها.

خل

السيناريو الأكثر إثارة للقلق هو أن إسرائيل قد تستخدم هذا الهجوم لتوسيع مفهوم "الأمن اليهودي العالمي" ليشمل ضغوطاً سياسية وعسكرية على خصومها الإقليميين والدوليين. في لحظة كهذه، يمكن للهجمات الإرهابية أن تتحول من تهديد أمني إلى أداة سياسية استراتيجية، مستغلة الصدمة العالمية لتعزيز النفوذ الإسرائيلي، وتهيئة الأرضية داخلياً وخارجياً لمواقف أكثر تشدداً ضد الفلسطينيين وإيران وحتى الغرب.

هجوم سيدني ليس حادثاً عابراً في سجل الإرهاب العالمي؛ إنه فرصة سياسية ذهبية لنتنياهو. من خلاله، يعيد رسم السردية التاريخية لإسرائيل، يعزز مكانته الداخلية، ويخلق ورقة ضغط دبلوماسية في مواجهة أي انتقاد دولي. في الوقت الذي يموت فيه الأبرياء في غزة وسيدني، يبقى نتنياهو الماهر في تحويل الدم إلى سلعة سياسية قوية، تهز الرأي العام وتعيد ترتيب الأولويات الدولية على حساب الواقع الفلسطيني.