الوداع الأخير لمحور المقاومة: انهيار الزيف وولادة الحقيقة

بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم

الوداع الأخير لمحور المقاومة: انهيار الزيف وولادة الحقيقة

في مشهد يلامس الخيال السياسي، ينهار "محور المقاومة" أمام أعين أنصاره وخصومه على السواء، لا بسبب ضربة واحدة، بل نتيجة سلسلة من الكوارث الاستراتيجية والخذلان المتبادل بين أطرافه. البداية كانت في 7 أكتوبر 2023، حين فجّرت "حماس" شرارة المواجهة الشاملة مع إسرائيل، ظناً منها أن "وحدة الساحات" ستُفتح. لكن غزة احترقت وحدها، في ظل تخاذل الحلفاء، وتبرؤ إيران العلني من العملية، في مشهد عارٍ من أي تضامن حقيقي، ليكشف أن الشعارات شيء، والمواقف الحاسمة شيء آخر تماماً.

 

ثم جاء اغتيال حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، ليشكّل صفعة أخرى لمشروع طالما تغنّى بالقوة والثبات. الرد الإيراني لم يتجاوز البيان الخجول، وكأن طهران كانت مستعدة للتضحية به على مذبح صفقاتها النووية، كما ضحّت بسوريا واليمن وغزة. وأمام هذا الصمت، اهتزّت الأرض تحت أقدام جمهور المقاومة في لبنان، وبدأت الأسئلة تُطرح بلا خوف: هل خدعتنا إيران؟ هل كنا أدوات في مشروع لا يرانا سوى بيادق على رقعة شطرنج فارسية؟

 

ومع سقوط نظام الأسد المفاجئ في دمشق، وتحوّل الحوثيين إلى ورقة مساومة في مسقط، بدا المشهد مكتملاً: مشروع طهران يتهاوى، ليس تحت ضربات إسرائيل وأميركا فقط، بل تحت وطأة تناقضاته الداخلية وسقفه الأخلاقي المنهار. فها هي إيران تفاوض أميركا في سلطنة عمان، لا لتقاسم النفوذ، بل لتقايض الزمن بما تبقى لها من رماد. هناك، على الطاولة العُمانية، لم تُطرح شروط المنتصر، بل توسلات الطرف المهزوم لتأجيل النهاية.

 

ولذلك، لم يعد مقبولاً أن تظل منطقتنا رهينة لوهم المقاومة الزائفة، التي لم تنتج إلا الحروب والانقسامات والانهيارات الاقتصادية. لقد آن الأوان لسحب إيران من عمقنا العربي، ومحاكمتها سياسياً وأخلاقياً على ما تسببت به من خراب، وأن تُعَوِّض شعوبنا عن الأرواح والممتلكات التي أزهقتها باسم مشروع إمبراطوري لم يجلب سوى الموت والدمار. هذا ليس انتقاماً، بل عدالة مستحقة لشعوب لم تجنِ من "محور المقاومة" سوى السراب.

 

لم يعد السؤال: "هل انتهى المحور؟" بل "كم كلفنا هذا الوهم؟". والجواب واضح في كل بيت فقد ابناً، وفي كل مدينة دمرها الصراع، وفي كل حلم وُئد باسم تحرير لم يأتِ، ولن يأتي.