أزمة التمثيل السني في لبنان: بين الولاء المتقلّب وفقدان الشرعية الشعبية

أزمة التمثيل السني في لبنان: بين الولاء المتقلّب وفقدان الشرعية الشعبية

لبنان يعيش اليوم واحدة من أدقّ مراحله التاريخية، وفي قلب أزماته السياسية يطفو سؤال أساسي: من يمثّل الشارع السني حقًا؟

لأعوام طويلة، تصدّر نجيب ميقاتي وفيصل كَرامي المشهد السني بوصفهما "زعامات تقليدية". لكن الحقيقة الصادمة أن هذين الاسمين، ومعهما آخرون، لم يكونوا يومًا ممثلين حقيقيين للناس. فحين كان لبنان يُدار وفق معادلات داخلية وإقليمية تميل لصالح حزب الله، كانا أقرب الحلفاء وأحرص المفاوضين على حماية تلك العلاقة.

أما اليوم، ومع تغيّر التوازنات الإقليمية وعودة الدور السعودي للواجهة، يحاول هؤلاء أنفسهم الظهور بمظهر "المدافعين" عن السعودية، وكأنهم أصحاب خط سياسي ثابت وراسخ. هذا التلوّن السياسي لم يعد يمرّ على أحد، لا في الداخل اللبناني ولا في العواصم العربية ولا حتى على المجتمع الدولي.

المملكة العربية السعودية، بتاريخها السياسي العريق ورؤيتها الواضحة لدعم استقرار لبنان وسيادته، لا تحتاج إلى "أوصياء" من الطبقة السياسية التي فشلت مرارًا في إدارة الدولة. بل تحتاج إلى شريك صادق يعبّر عن تطلعات الناس، لا مناورات المقاعد.

إن الشارع السني في لبنان أوعى من أن يُستَغفل. لم يعد يقبل بزعامات تقف يومًا في صف حزب الله، ويومًا آخر في صف السعودية، وفقًا لمصالحها الخاصة. هذه الازدواجية لم تعد تمثّل أحدًا، بل تكشف إفلاسًا سياسيًا وأخلاقيًا.

المطلوب اليوم قيادة سنية وطنية، شفافة، ومتصلة بالناس، لا تتلوّن مع الرياح الإقليمية، بل ترسم لنفسها مسارًا ثابتًا قائمًا على الثوابت الوطنية والكرامة والاستقلالية.

لقد دفع السنة في لبنان ثمن التلاعب السياسي والانهيار الاقتصادي والهجرة القسرية. والآن يطالبون بحقّهم في تمثيل حقيقي، بعيد عن "زعامات المناسبات" التي لا تظهر إلا حين يتغيّر المزاج الإقليمي.

إن التاريخ يسجّل، والمجتمع الدولي والعالم العربي يراقبان: هل ستُترك الساحة السنية رهينة التقلّبات والانتهازية، أم ستُفتح الطريق أمام جيل جديد من القيادات يملك رؤية، وجرأة، واستقلالية حقيقية؟