من إرهابي إلى صانع سلام؟ أحمد الشرع يطمئن لبنان ويعيد رسم مستقبل سوريا
بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم
وسط التحولات الكبيرة في سوريا، برز أحمد الشرع، المعروف سابقًا بأبي محمد الجولاني، كزعيم فعلي لسوريا بعد سقوط نظام الأسد. وبينما يتولى زمام الأمور في بلد متعدد الطوائف والانقسامات، تتجه الأنظار في لبنان إلى هذا القائد الجديد، وسط تساؤلات حول تأثير صعوده على لبنان بجميع أطيافه، خصوصًا المسيحيين والشيعة.
في خطاباته الأخيرة، أكد الشرع أن سوريا الجديدة التي يسعى إلى بنائها ستكون "وطنًا للجميع". وركّز على مفاهيم الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية، وهي رسائل تأتي في وقت حساس بالنسبة للبنان، الذي شهد سنوات طويلة من التوترات مع الجماعات المسلحة التي كان الجولاني أحد أبرز قادتها.
وقال الشرع في تصريحات أخيرة من الجامع الأموي بدمشق: "سوريا ستكون وطنًا يضم كل مكوناتها، وستعمل على الحفاظ على العلاقات الأخوية مع دول الجوار، وعلى رأسها لبنان". هذا التصريح يُقرأ على أنه محاولة واضحة لطمأنة الشعب اللبناني، الذي عانى من تبعات الصراع السوري على المستويات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.
لعل أكثر ما يثير قلق اللبنانيين هو سجل هيئة تحرير الشام السابق، خصوصًا بين المسيحيين والشيعة الذين تحملوا نتائج مريرة للصراع الطائفي. لكن الشرع، في لقاءاته وتصريحاته الأخيرة، دعا إلى تجاوز الخطاب الطائفي القديم، مشيرًا إلى أن المرحلة القادمة "لا مكان فيها للتمييز".
في خطاب موجه للأقليات، أضاف الشرع: "نحن نمد أيدينا إلى الجميع، ونعمل على ضمان حقوق الأقليات، ليس فقط في سوريا، بل بما يعزز السلام الإقليمي مع لبنان".
هذه الرسائل قوبلت بحذر في بيروت، إلا أن مسؤولين دوليين أشاروا إلى تغير في موقف الشرع والجماعة التي يقودها. فقد أبدت الولايات المتحدة ودول أوروبية استعدادًا لمراجعة تصنيف هيئة تحرير الشام إذا أثبتت التزامها بحماية الأقليات والابتعاد عن الفكر المتشدد.
بالنسبة للبنان، يطرح صعود الشرع تحديات وفرصًا. فعلى الرغم من تاريخه المتشدد، يبدو أن الشرع يسعى لفتح صفحة جديدة مع دول الجوار، وهو ما قد يخفف التوترات الأمنية على الحدود اللبنانية-السورية. كما أن تأكيده على حماية الأقليات قد يمنح المسيحيين والشيعة شعورًا بالأمان، رغم أن القلق يظل قائمًا حول مدى التزامه بهذه التعهدات على الأرض.
إذا التزم الشرع بخطابه الجديد، فقد تكون هذه فرصة نادرة للبنان وسوريا لطي صفحة الصراعات الطائفية وإعادة بناء العلاقات الثنائية على أسس جديدة. الأمل الآن معقود على أفعال القيادة السورية الجديدة، خصوصًا في ما يتعلق بالتعامل مع اللاجئين السوريين في لبنان، وطمأنة اللبنانيين بأن حدودهم لن تكون مصدر تهديد مستقبلي.
بين المخاوف والآمال، يقف لبنان مترقبًا مستقبل الجارة سوريا في ظل حكم أحمد الشرع. فهل تكون هذه القيادة الجديدة بوابة لتعزيز الاستقرار في المنطقة، أم أن الماضي سيظل يلقي بظلاله؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة، لكنها بلا شك تحمل بوادر تغيير قد يكون فرصة ذهبية للسلام بين الشعبين.