من الجنوب إلى بعلبك: هل حان وقت الطائفة الشيعية للوقوف في وجه سياسات حزب الله وإنقاذ لبنان؟

بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم

من الجنوب إلى بعلبك: هل حان وقت الطائفة الشيعية للوقوف في وجه سياسات حزب الله وإنقاذ لبنان؟

لقد آن الأوان لنقف معًا أمام حقيقة واضحة ومؤلمة، ونعيد النظر في واقع فرض علينا خيارات كلفتنا الكثير. الجنوب الذي قدّم أبناءه شهداءً ودماءً في سبيل الوطن، وضاحية بيروت الجنوبية التي نمت وسط الصمود، ومدينة بعلبك العريقة التي تجسد جزءًا من تاريخ لبنان وهويته الثقافية، جميعها تحولت إلى ساحاتٍ تستنزف وتدمّر بسبب مسارات سياسية وأجندات خارجية لا تخدم مصلحة لبنان، بل تجرّه إلى صراعات وحروب يدفع أبناؤه ثمنها الباهظ.

 

إن بعلبك، بموقعها التاريخي وأوابدها الأثرية التي شهدت على حضارات عريقة، تواجه اليوم تحديات لم تعرفها من قبل. آثار بعلبك التي كانت يومًا مصدر فخر لكل لبناني، باتت تواجه الإهمال والدمار، في ظل غياب الأمن والاستقرار، وتحولت إلى مناطق محرومة من التنمية الاقتصادية والسياحية. هذه المدينة التي كانت تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم، أصبحت ضحية للصراعات وملاذًا لأجندات سياسية لا تخدم سوى أطراف خارجية، فتعطلت مواردها وزادت معاناة أهلها.

 

وإلى جانب بعلبك، يشهد الجنوب، الذي كان حصنًا منيعًا وصوتًا للتضحيات، معاناة أهله في ظل هذه السياسات التي حولت القرى إلى مسارح للدمار، حيث تهدمت البيوت، وساد الإحباط. وضاحية بيروت الجنوبية، التي كانت رمزًا للحياة والتنوع، باتت اليوم مركزًا للألم، حيث تهدمت فيها المؤسسات الاقتصادية، وسُوّيت المستشفيات والمدارس بالأرض، وأصبحت حياة الأبرياء فيها لا تتجاوز انتظار الأزمات القادمة.

 

اليوم، نطرح التساؤلات التي تلامس عمق الوجع: كم من الأبرياء يجب أن يدفعوا الثمن؟ كم من البيوت يجب أن تتهدم؟ كم من أرواح أبنائنا يجب أن تُزهق لترضية أجندات خارجية لا علاقة لها بمصلحة لبنان ولا بتطلعات شعبه؟

 

لقد تحوّل لبنان، عبر خيارات سياسية فرضتها علينا أطراف خارجية، إلى ملعبٍ لصراعاتٍ تتجاوز حدوده، وصار أهله، خاصة في الجنوب والضاحية وبعلبك، وقودًا لتلك الصراعات. هذه السياسات لم تجلب إلا العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية، ودمرت الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. ومرةً تلو الأخرى، يجد اللبنانيون أنفسهم أمام مواجهة خاسرة مع العالم، حيث تُفقد سيادة لبنان ويضيع قراره المستقل.

 

اليوم، بات واضحًا أن الحل الوحيد للحفاظ على دماء أبنائنا وكرامة شعبنا يكمن في الالتزام بمبدأ سيادة الدولة ووحدتها. اتفاق الطائف، الذي أُقرّ بعد حرب أهلية طويلة، جاء ليعيد للبنان تماسكه وسيادته، وأكّد بوضوح أن السلاح يجب أن يكون بيد الدولة وحدها. إن الحفاظ على هذا المبدأ هو الضمانة الوحيدة لأمن لبنان واستقراره.

 

أهلنا الأعزاء، آن الأوان للطائفة الشيعية، بمسؤوليتها التاريخية والوطنية، أن ترفع صوتها، مطالبة بسياسة تحمي مصالح أبنائها، وتحفظ مستقبل أجيالها، بعيدًا عن مشاريع خارجية أرهقت البلاد وأثقلت كاهلها. آن الأوان أن نقف بوجه هذه السياسات، وأن نعيد للبنان سيادته واستقراره، ونطالب بسياسة وطنية تُعلي من شأن الوطن، وتضع مصلحة لبنان فوق أي اعتبار.

 

دعونا نسعى لوطن قوي، آمن، مستقل، نستطيع فيه أن نعيش بكرامة وسلام، بعيدًا عن الصراعات والتجاذبات الخارجية التي أنهكت مجتمعنا وشتتت أبنائنا.