طرابلس ليست للبيع: من يُخطّط لإلغاء الموارنة من الفيحاء؟

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

طرابلس ليست للبيع: من يُخطّط لإلغاء الموارنة من الفيحاء؟

في بلدٍ يُحكم بمنطق الأرقام والصفقات، تنفجر اليوم قنبلة سياسية جديدة: نقل المقعد الماروني من طرابلس!

تحت عنوان "تصحيح التمثيل"، يمرّر البعض مشروعاً خطيراً لا يصحّ السكوت عنه، لأنّه لا يستهدف فقط مقعداً نيابياً، بل يضرب قلب التنوع اللبناني، ويقضم آخر جذور العيش المشترك في الشمال.

عندما تصبح طرابلس مشروع إلغاء ناعم

طرابلس التي كانت يوماً نموذجاً للتنوّع الديني والفكري، مدينة ارتفع فيها صوت الشيخ إلى جانب صوت القس، باتت اليوم أمام محاولة واضحة لتحويلها إلى كانتونة طائفية مغلقة.

من الذي قرّر أنّ المدينة لم يعد فيها مكان للموارنة؟ من قال إن الفيحاء لا تحتمل نائباً مارونياً واحداً في برلمانها؟

المعادلة الجديدة خطيرة: أنت ممثَّل بقدر عددك فقط. أمّا إن كنت مكوّناً صغيراً أو مهاجراً أو مهمّشاً، فلا مكان لك... لا في المجلس، ولا في المدينة.

المقعد الماروني في طرابلس... أكثر من رقم

المقعد الماروني ليس "حصّة"، بل رمز وطني. هو رسالة تقول إنّ طرابلس لكل الطوائف، وإنّ التنوع ليس ترفاً بل أساس الهوية. تماماً كما هو المقعد الأرثوذكسي في صيدا، أو السني في جبيل، أو الشيعي في زحلة.

فهل نُعيد توزيع المقاعد كما نُعيد ترتيب أثاث منزل؟ وهل نقيس الولاء الوطني بالحاصل الانتخابي؟!

من يقرأ التاريخ... لا ينقل المقعد!

هل نسيتم أنّ طرابلس احتضنت في مدارسها وكنائسها ومكتباتها أعلاماً من كل الطوائف؟

هل نسيتم أنّ الموارنة ساهموا في نهضتها القضائية والتعليمية؟

هل نسيتم أنّ التعايش فيها كان حقيقياً، لا استعراضياً؟

إذا نُزع المقعد الماروني اليوم، فماذا تبقّى من هذه الذاكرة؟ بل ماذا يبقى من لبنان الذي نعرفه؟

الطائفية الناعمة أخطر من التهجير القسري

في الحرب، كانت الطوائف تُقصَف وتُهجَّر بالقوة. اليوم، يُفعل بها الأمر ذاته ولكن بالقانون. وهذا أخطر.

قانون يُقصي الضعيف، ويُجامل القوي. قانون يُحوّل المدينة إلى ملك خاصّ للأكثرية، ويُرسل للأقليات رسالة ضمنيّة: "غادِروا… لم تعُد لكم مكان هنا."

من التالي بعد طرابلس؟

الأرثوذكسي في بيروت؟

السني في جزين؟

الشيعي في الكورة؟

إذا مرّ مشروع نقل المقعد الماروني في طرابلس، فكل المقاعد المشتركة في المدن المختلطة ستكون على اللائحة السوداء. واليوم طرابلس... وغداً الدور على الجميع.

المعركة معركة هوية وطنية

لا تنخدعوا: هذه ليست معركة انتخابية، بل معركة هوية وكرامة وذاكرة.

المقعد الماروني في طرابلس لا يُمثّل طائفة فقط، بل يُجسّد بُعداً إنسانياً ووطنياً لمدينة لا تزال تقاوم الانغلاق، وتصرخ: "نعم، نحن نؤمن بالعيش معاً".

إلى السياسيين المسيحيين قبل غيرهم

أين أنتم؟

كيف تقبلون أن يُلغى آخر وجود ماروني في طرابلس وأنتم صامتون؟

لماذا تصرخون بالغبن في جبل لبنان وتغضّون الطرف عن محو التمثيل الماروني في الشمال؟

هل لأن طرابلس بعيدة عن حساباتكم؟ أم لأنّ صوتها الماروني ضعيف لا يُغري بالتحالفات؟

طرابلس مدينة الجميع… فلنحافظ عليها

طرابلس ليست سنّية فقط، كما أن زحلة ليست كاثوليكية فقط، ولا النبطية شيعية فقط. طرابلس كانت وستبقى مدينة لكل من أحبّ لبنان، شرط ألا نسكت على اغتيال تنوّعها.

نقل المقعد الماروني ليس تفصيلاً… بل مقدّمة لفكفكة لبنان.

من يسعى لنقل المقعد الماروني من طرابلس، يشارك – عن وعي أو جهل  في طرد مكوّن تاريخي من الشمال.

ولذلك، نرفض هذا المشروع، لا من منطلق طائفي، بل من منطلق لبناني صادق:

لأننا نؤمن أن الكرامة لا تُقاس بالأرقام، بل بالاعتراف بحق الجميع في أن يكون لهم صوت ومكان.