السويداء في عين العاصفة: هل تُباع قضية الدروز على طاولات الإقليم؟!
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

السويداء لا تنام. المحافظة التي حملت على أكتافها الثورة ضد العثماني، وكتبت اسمها على جدران المجد العربي مع سلطان الأطرش، تبدو اليوم وكأنها تقترب من نقطة اللاعودة. كل شيء هناك يشي بأزمة وجود، لا مجرد خلاف سياسي: المرجعيات الروحية منقسمة، الفصائل متشرذمة، والشارع يغلي على إيقاع خيبات متتالية من سلطة سقطت وأخرى لم تولد بعد.
لكن الأخطر، هو هذا الشعور الخانق بأن السويداء تُسحب قسرًا من عمقها الوطني، وتُزجّ في معادلات إقليمية قذرة، عنوانها: "حماية الأقليات". هل هي حماية حقًا، أم تلغيم ناعم لهويتها؟ إسرائيل تقول إنها مستعدة لحماية الدروز... من ماذا؟ من الدولة التي كانوا في طليعة صانعيها؟
حين تُصبح الوطنية تُهمة
الذين يعرفون السويداء، يدركون أن دروزها لم يكونوا يومًا في صف الانفصال أو التمرد الطائفي. هم الذين حملوا راية العروبة، ولم يساوموا على وحدة سوريا. لكن اليوم، يتحول هذا الموقف ذاته إلى سلاح يُشهر في وجوههم. تُخوّنهم أطراف هنا، وتُغريهم أطراف هناك، وكلهم يحاولون حشرهم في زاوية الطائفة المحمية، لا الشعب الشريك.
ما كشفته "وول ستريت جورنال" عن مخططات إسرائيل لتقسيم سوريا، لم يكن مجرد تسريب صحفي. إنه إنذار صارخ بأن كل ما تبقّى من النسيج الوطني مهدد، والسويداء واحدة من أبرز ضحاياه المحتملين.
المرجعيات في اختبار مصيري
في خضم هذا المشهد، تتوزع المرجعيات الروحية بين موقف متريث (الشيخ حكمت الهجري) يصر على دولة المواطنة، وآخر أكثر انخراطًا براغماتيًا (جربوع والحناوي) يدعو لمشاركة مشروطة في السلطة الجديدة. والنتيجة؟ غياب القرار الموحد، وارتفاع منسوب القلق بين الناس، الذين يشعرون بأنهم بلا مرجعية سياسية تحصّنهم من العواصف القادمة.
الفصائل: سلاح مشتّت في زمن الوحدة المطلوبة
ليست المشكلة في وجود فصائل مسلحة، بل في كونها غير موحّدة الرؤية. البعض يقف مع "الدولة المركزية بشروط"، والبعض الآخر يطالب بفيدرالية، لكن لا أحد يطرح السؤال الأهم: ما هو المشروع الوطني البديل؟ وإلى متى سيبقى السلاح وسيلة لتعويض غياب الرؤية؟
لبّ الأزمة: لا مشروع جامع
السويداء اليوم لا تطلب الحماية، بل الشراكة. لا تريد الانفصال، بل الاعتراف. كل ما تطالب به هو أن تكون جزءًا من دولة تحترم أبناءها، لا سلطة تهمّشهم وتبيعهم على طاولات الخارج. هذا هو جوهر الصراع: غياب رؤية وطنية جامعة.
كفى ترقيعًا. الحل لا يأتي من التوازن بين فصيلين أو شيخين. ولا من ضغوط الخارج. المطلوب الآن وبإلحاح:
عقد مؤتمر وطني تأسيسي، يُشارك فيه ممثلون عن جميع الطوائف والمكونات السورية، بمشاركة عربية ودولية محايدة.
صياغة عقد اجتماعي جديد يضمن:
اللامركزية الإدارية الواسعة دون تفكيك الدولة.
تمثيلاً عادلاً لكل المكونات.
دستورًا يكرّس المواطنة لا الطائفة.
تحييد المسألة الدرزية والسويداء عن أي صراع خارجي، وجعلها نموذجًا لبناء سوريا الجديدة، لا بوابتها للتقسيم.
من بيروت إلى بغداد، ومن عمان إلى تونس، ما يحدث في السويداء ليس شأناً محلياً. إنه جرس إنذار للجميع: عندما تنهار الدولة، لا يبقى سوى الطوائف. وعندما تغيب العدالة، تُصبح الأقليات فريسة للتدخلات.
فهل سننتظر سقوط السويداء لنفهم أن الوقت قد حان لإعادة تعريف معنى الدولة في المشرق؟