إمّا الدولة… أو لا لبنان | State or Militia: Lebanon’s Final Choice
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

لم يعد النقاش حول سلاح حزب الله ترفًا سياسيًا أو جدلًا داخليًا، بل تحوّل إلى معركة وجودية تحدد مصير لبنان كله. فكل يوم يمر من دون حسم هذه القضية، يقترب البلد أكثر فأكثر من حافة الانفجار الكبير: إما دولة واحدة بقرار واحد، أو غابة ميليشيات متناحرة.
المصادر التي كشفتها قناة الحدث حول خطة "حصر السلاح" أوضحت بجلاء أن حزب الله يرفض حتى الخطوات الشكلية التي تضع سلاحه تحت سلطة الدولة. بل ذهب أبعد من ذلك، فأبلغ رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش أن المضي بهذا القرار سيُعد "مواجهة مباشرة". بكلمات أخرى، الحزب يضع نفسه فوق الدستور، فوق الجيش، وفوق الشعب.
لكن هذه المعادلة لم تعد قابلة للحياة. لقد انتهى زمن "سلاح المقاومة" كخط أحمر. اللبنانيون لم يعودوا مستعدين للعيش تحت تهديد داخلي دائم باسم "الخطر الخارجي". الحقيقة الصادمة التي يفهمها الشارع اليوم: سلاح حزب الله بات الخطر الأكبر على وحدة لبنان، على اقتصاده، وعلى مستقبله.
الخطر الاستراتيجي: من ميليشيا إلى حرب أهلية بطيئة
إذا واصل حزب الله رفضه التخلي عن سلاحه، فإنه يفتح الباب على أخطر سيناريو: تحوّل الطوائف الأخرى إلى حمل السلاح تحت شعار "الخطر الوجودي". وهنا لن يكون لبنان أمام حزب واحد مسلح، بل أمام سباق تسلح أهلي شامل، يعيد البلد إلى زمن الحرب الأهلية – ولكن هذه المرة من دون نهاية أو منتصر.
لقد سقطت معادلة "السلاح خارج الدولة" إلى غير رجعة. العالم تغيّر، ولبنان تغيّر، واللبنانيون تغيروا. لم يعد أحد يقبل أن تحتكر فئة قرار الحرب والسلم فيما بقية الشعب يدفع ثمن العقوبات والعزلة والفقر والانهيار.
الجهل والتعصب… وصفة الخراب
التاريخ في المنطقة شاهد حيّ على ما يحدث عندما تُترك الميليشيات فوق الدولة:
العراق بعد 2003 انهار في دوامة الطائفية، لأن الميليشيات حلت مكان الدولة.
سوريا تحولت من ثورة كرامة إلى حرب هوية، لأن النظام غذّى التعصب والاقتتال.
ولبنان، منذ عقود، يعيش على وصفة "الفتنة الداخلية" التي يتقنها الطغاة.
الجهل ليس نقصًا في المعرفة، بل سلاح بيد المستبدين. والتعصب ليس مجرد انحياز، بل أداة قتل جماعي. حين يجتمع الاثنان، تنهار المجتمعات، وتُهدم الأوطان من الداخل، بينما أمراء الحرب يصفقون من أبراجهم العالية.
اليوم، العالم كله ينظر إلى لبنان ويسأل: هل سيبقى رهينة سلاح خارج الدولة، أم سينهض كدولة حرة؟
الجواب بيد اللبنانيين أولًا، وبيد القوى السياسية التي عليها أن تدرك أن السكوت عن سلاح حزب الله لم يعد خيارًا. فإما أن يوضع السلاح تحت سلطة الدولة، أو أن يدخل لبنان في مرحلة "الحرب الأهلية البطيئة" التي لا تبقي ولا تذر.
لبنان يستحق أن يكون دولة، لا ساحة. وطنًا، لا مزرعة. دولة مؤسسات، لا غابة ميليشيات. وهذه الحقيقة لم تعد مطلبًا داخليًا فقط، بل صارت مطلبًا عربيًا ودوليًا.
لقد انتهى زمن المسايرة. إما الدولة… أو لا لبنان.