نواف سلام في مواجهة حزب الله: هل يتكرر سيناريو رفيق الحريري؟
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

في لبنان، حيث السياسة مزيج قاتل من الطائفية والمصالح والحسابات الإقليمية، برز اسم نواف سلام ليعيد فتح جرح قديم لم يلتئم بعد: استهداف الموقع السني الأول في السلطة، أي رئاسة الحكومة. فسلام، القاضي والدبلوماسي الذي أتى من خارج "بازار الزعامات" ودوائر الوراثة السياسية، لم يكن مرشح التسويات المعلبة، بل جاء محمّلاً بمشروع واضح: استعادة الدولة من بين أنياب الميليشيا.
لكن ما إن رفع صوته في وجه السلاح غير الشرعي، حتى تحوّل إلى هدف لحملة تخوين شرسة قادها حزب الله، وصلت إلى حد وصفه بالعمالة والخيانة. وهنا، لا يسع المتابع إلا أن يستحضر صورة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي اتُّهم هو أيضًا بالخضوع لـ"مشروع خارجي"، قبل أن يُغتال في وضح النهار ويُدخل لبنان في واحدة من أفظع مراحل تاريخه الحديث.
السيناريو يتكرر:
رفيق الحريري: رجل دولة أعاد بناء لبنان بعد الحرب، اتُّهم بالخيانة لأنه أراد سيادة الدولة.
نواف سلام: رجل قضاء رفع شعار الدستور، اتُّهم بالعمالة لأنه أراد نزع سلاح الميليشيا.
إنها المعادلة نفسها: من يعارض مشروع الحزب يُشيطن كخائن، ومن يرفع شعار الدولة يُصنّف كعدو داخلي.
حرب على الموقع السني
ما لا يدركه حزب الله، أو لعله يدرك جيدًا، هو أن الهجمة على سلام لم تعد تُقرأ بوصفها مواجهة مع رجل واحد، بل مع الطائفة السنية بأكملها. فالتاريخ اللبناني علّم الجميع أن ضرب رئاسة الحكومة هو استهداف مباشر للمعادلة الوطنية، وهو ما يفسّر الالتفاف الشعبي والسياسي السنّي حول سلام، تمامًا كما حصل بعد اغتيال الحريري.
لقد تحوّل الرجل الذي وُصف بالغريب عن النادي السياسي إلى رمز سنّي جامع، لا لأنه يملك ميليشيا أو تحالفات مالية، بل لأنه قال الكلمة التي يخشاها خصومه: لا شرعية فوق شرعية الدولة.
لماذا يخافون سلام؟
الجواب بسيط: لأن نجاحه يعني انهيار المنظومة التي بناها الحزب على مدى عقود. سلام لا يفاوض على "حصص" ولا على "صفقات"، بل يضع الجميع أمام معادلة واحدة: إمّا دولة تُدار بالقانون، وإمّا غابة تحكمها فوهة البندقية. وهذا ما يجعل حزب الله أكثر عدوانية تجاهه، لأنه يُجردهم من ورقة "الشرعية الوطنية" التي طالما حاولوا ادعاءها.
من بيروت إلى العواصم العربية والغربية، يتردّد صدى المعركة الحالية: هل يُسمح مرة أخرى بتحويل رئيس حكومة لبنان إلى كبش فداء في لعبة النفوذ الإقليمي؟ أم أن التجربة المريرة مع الحريري كافية لتمنع تكرار الكارثة؟
نواف سلام اليوم ليس مجرد رئيس حكومة، بل اختبار للشرق الأوسط بأكمله: إما أن ينهض مشروع الدولة في لبنان، أو يُترك البلد رهينة لصراعات إقليمية بلا نهاية.
اتهام سلام بالعمالة ليس إلا إعادة إنتاج لخطاب التخوين نفسه الذي سبق اغتيال الحريري. الفرق الوحيد أن اللبنانيين، خصوصًا السنة منهم، صاروا أكثر وعيًا بأن ما يُستهدف ليس الأفراد، بل الموقع السني الأول ورمزية رئاسة الحكومة.
إنها لحظة تاريخية، خطيرة ومصيرية.
فإما أن يكون نواف سلام بداية لزمن جديد من المقاومة السياسية السلمية، أو يكون محطة أخرى في مسلسل إلغاء الدولة.
لكن المؤكد أن التاريخ هذه المرة يراقب... والعالم يترقب:
هل يتكرر سيناريو الحريري، أم يبدأ لبنان بسلام؟